العرب والغرب إملائياً يفصل بيننا وبينهم نقطة واحدة فقط، لكن الفارق في الواقع يكاد يُحصى بالسنين الضوئية! تجمعنا بهم علاقة غريبة متناقضة، يشوبها الكثير من الإنكار، فنحن ننظر إليهم بذهول وإعجاب تارةً، حيث لهم الصدارة في معظم الإنجازات البشرية من علم وأدب وفن، وتارةً أخرى نصبّ جُلّ غضبنا عليهم، فنلومهم على جميع إخفاقاتنا التي ننكرها ونلبسها لباس "نظرية المؤامرة" الرّث المتهالك.لهم إرثٌ تاريخي كبير وغني من مفكرين وفلاسفة وعلماء، وما زال ذلك الإرث مستمراً حيث ما زالت مجتمعاتهم الصحية تنتج مبدعيها إلى اليوم، في حين نطمس نحن الموهوب والمختلف ونحول حياته إلى جحيم، ولقد قمنا بصلبه وتوجيه الأصابع التكفيرية له منذ قديم العصور، فاتسعت الفوّهة لتبتلع قروناً من الزمن توقفنا عندها. لم نصدّر شيئاً- منذ زمن- سوى الكراهية والترهيب!
نضعهم جميعاً في قالب ضيّق دون احترام اختلاف ثقافاتهم وتعددها، فكلهم "بيضٌ مارقون" في نظرنا! ثم تثور ثائرتنا عندما يطلقون أحكاماً مسبقة علينا،على الرغم من مطابقتها للواقع إلى حدٍ كبير، مع بعض الاستثناءات الفردية، فالعالم العربي غالباً ما يحتل أعلى النسب في التلوث والفساد، بل حتى انخفاض مستوى ذكاء الفرد ووعيه، وكذلك انخفاض الديمقراطية، وهنالك دراسات وإحصاءات عديدة تثبت ذلك للأسف، فنحن أفضل حالاً بقليل من الدول الإفريقية الفقيرة والجنوب شرق آسيوية المعدمة، وذلك مستغرب حيث يمتلك العالم العربي الموارد الطبيعية والاقتصادية اللازمة لنموه وتطوره، لكن الجهل والفساد المستشري وسوء إدارة أمم بأكملها تؤدي حتماً إلى مثل هذه النتائج. وهناك منا من ينظر لهم نظرة حالمة رومانسية بعيدة عن الواقع، فيتغاضى عن بعض مساوئ أنظمتهم وإعلامهم، وينسلخ عن ثقافته- التي بدأ يتحرج منها- بدلاً من تطويرها، فترى الكثير (خصوصاً الفئة الشبابية) يستوردون آراءهم تماماً من الإعلام الأميركي وينشغلون بمشاكل مجتمعه دون أن "يتواضعوا" قليلاً وينزلوا إلى أرض الواقع الذي يعيشونه، وهم بأمس الحاجة إلى تغييره! أما في تواصلنا مع العالم (والغرب خصوصاً) سواءً أكان ذلك سياحة أم هجرة أم حتى دراسة في الخارج، فلقد اكتسب العرب سمعة مخزية وسيئة نحن في غنى عن الخوض في تفاصيلها المعروفة لدى الجميع، وبدلاً من التعايش والتعاون مع الأمم الأخرى ما زلنا حبيسي عقلية "نحن وهم"، بل يلتهم بعضنا بعضاً، فالعربي يكره شقيقه العربي ويكره حتى أخاه المواطن المنتمي إلى طائفة أو انتماء مختلف، حلقة سوداء مفرغة ستؤدي إلى الهلاك بلا شك.في زمن أصبح هذا العالم الشاسع فيه قرية، لابد من أن نتمدن ونحسّن من قدرتنا على القبول والتعايش؛ كي يتقبلنا العالم!
مقالات - اضافات
العرب والغرب
09-02-2018