بدأ وعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الهادف إلى إنهاء النزاع الفلسطيني الإسرائيلي بالتحرك بشكل عملي، وبعد سنة من مناقشات بقيادة غاريد كوشنر وهو صهر ترامب برزت بجلاء العناصر الرئيسة للتصميم الذي طرحه ترامب، ولكن ذلك ليس ما يريد الفلسطينيون حدوثه على وجه التحديد.وستكون مبالغة دعوة الأفكار والاقتراحات التي أثارها المقربون من ترامب بأنها خطة صادقة ونزيهة، ويتعين في المقام الأول أن تظهر هذه الخطة التي وضعها خبراء ترامب خلال العام الماضي إمكان طرح وجهة نظر محكمة، ومتفق عليها لمشاركة دبلوماسية تستحق هذا التعريف، كما لا يوجد دليل يشير إلى أن لدى فريق ترامب القدرة على ترجمة مثل تلك الخطة بشكل ناجح، في حال وجودها، الى مشاركة دبلوماسية ناجحة.
وعلى الرغم من ذلك أفضى إذعان ترامب في شهر ديسمبر الماضي لطلب الكونغرس بشأن الاعتراف بأن القدس عاصمة لإسرائيل إلى دفع الكرة الدبلوماسية إلى التدحرج وطرح افتراضات متطرفة أحادية الجانب تدعم حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.وفي غضون ذلك وجد الفلسطينيون أنفسهم في صورة العناصر السلبية في هذه العملية، وقبل عيد الميلاد الماضي قدم كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات إلى قيادة منظمة التحرير تقريراً موجزاً للمشهد العدائي الدبلوماسي في واشنطن، وكان التقرير يهدف إلى دعم قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس مقاطعة جهود الولايات المتحدة بعد إعلان ترامب حول القدس. وحتى في حال وجود جزء فقط من هذا الوضع مثل انعكاس حقيقي لما يجري فإن لدى الفلسطينيين أكثر مما يكفي من الأسباب لدعم الرئيس عباس والشعور بالحذر من دور الولايات المتحدة.
تقرير عريقات
ولاحظ تقرير صائب عريقات أن «العلاقات مع الولايات المتحدة يمكن أن تدعم فقط من خلال إلغاء القرار الأميركي الذي يعتبر القدس عاصمة لإسرائيل وإلغاء القرار الذي يعتبر منظمة التحرير الفلسطينية منظمة إرهابية».وأضاف أن «إدارة ترامب لن تقدم على هاتين الخطوتين، ولذلك يتعين على منظمة التحرير التمسك بتعليق كل اتصالاتها مع تلك الإدارة فيما يتعلق بعملية السلام مع رفض اعتبارها وسيطاً أو راعياً لتلك العملية بأي طريقة كانت».ويوجد ما يكفي من الأدلة لدعم وجهة نظر منظمة التحرير إزاء عداوة واشنطن وقد أعلن ترامب أن قراره المتعلق بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل «يرفع المدينة» من طاولة مفاوضات السلام في المستقبل.وجاء تقرير عريقات الذي يقع في نحو 100 صفحة بعد محادثات غير رسمية متعددة أجراها مع مسؤولين أميركيين، وتكمن أهميته في سرد عناصر أساسية تتعلق لأول مرة بما يدعى «صفقة القرن» التي تميل لمصلحة إسرائيل. وبحسب عريقات فإن ترامب من خلال منحه الاعتراف بضم القدس الشرقية إلى إسرائيل سيدعم وجود عاصمة لدولة فلسطينية في ضواحي القدس، وفي حقبة التسعينيات من القرن الماضي كان بناء مبنى يضم البرلمان الفلسطيني قد تم في حقيقة الأمر في قرية أبو ديس وضمن موقع جدران المدينة القديمة، لكنه لم يستخدم على الإطلاق.تقسيم الضفة الغربية
ويعتبر تقسيم الضفة الغربية بين إسرائيل ودولة فلسطينية في قلب التعطل والتوقف الدبلوماسي، لأن سياسة إسرائيل الرامية إلى إنشاء مستوطنات على الأرض– أكثر من 200 مستوطنة تضم أكثر من نصف مليون مستوطن– كانت تهدف إلى المطالبة بمناطق متنازع عليها، وكانت الجهود الدبلوماسية السابقة ترمي إلى حيازة إسرائيل نحو 10 في المئة من الضفة الغربية، وبدورها كانت منظمة التحرير الفلسطينية مستعدة للتنازل عن أقل من 2 في المئة من تلك المناطق إلى إسرائيل.ويلاحظ تقرير عريقات أن ترامب «خلال شهرين أو ثلاثة شهور على أبعد حد» سيوافق على إعلان اسرائيل ضم كتل من مستوطنات الضفة الغربية، ويقول عريقات إن نتنياهو يقترح ضم 15 في المئة من الأراضي فيما يقترح ترامب ضم 10 في المئة فقط.ولا تشمل الأرقام الإسرائيلية ولا الأميركية القدس الشرقية أو وادي الأردن، وهي منطقة تشمل نحو 25 في المئة من الضفة الغربية، وفي لغة تذكر بطلبات إسرائيل خلال عهد إدارة باراك أوباما يبدو أن ترامب على استعداد لقبول «سيطرة أمنية» على تلك المساحة من قبل إسرائيل بصورة حصرية ودائمة مع سيطرة القوات الإسرائيلية على حدود وادي الأردن التي تفصل الضفة الغربية وإسرائيل عن الأردن إضافة إلى التلال الممتدة إلى وسط الضفة الغربية.الدولة الفلسطينية المقترحة
وبموجب هذه «الفكرة المشتركة» للدولة الفلسطينية فإنها ستكون منزوعة السلاح ماعدا وجود «قوة شرطة قوية» وهي الفكرة التي طرحت خلال عهد جيمي كارتر.ويبدو أن فكرة الخطة الأمنية الأميركية تعتمد على «خطة ألون» التي قدمت أولاً في سنة 1970 والتي تقضي بسيطرة إسرائيل على مرتفعات مركزية في الحدود مع الأردن.واللافت في تقرير عريقات غياب أي ذكر لقطاع غزة، كما أن الممر الآمن بين الضفة الغربية وقطاع غزة كان قضية مركزية في عهد بيل كلينتون، وتقضي صيغة ترامب بتسليم منظمة التحرير الفلسطينية السيطرة الكاملة والسيادة على ذلك الممر إلى إسرائيل.ويقترح ترامب الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية وفلسطين دولة فلسطينية– وهي صيغة طرحت في عهد أوباما استجابة لمطالب إسرائيلية- كما أن فكرة ترامب عن خمسة ملايين لاجئ فلسطيني على شكل مسؤولية فلسطينية حصرية تبدو متماشية مع مبادرة السلام العربية التي دعت إلى حل مشترك متفق عليه، وتدعو صيغة ترامب منظمة التحرير الى التخلي عن حق العودة للفلسطينيين الى الأرض التي طردوا منها.مقترحات ترامب
وهكذا فإن ترامب– وبحسب عريقات– يقترح سيادة فلسطينية في نهاية المطاف على المناطق «إيه وبي» في الضفة الغربية، والتي تشكل 40 في المئة منها، والحدود الحالية من نظام الحكم الذاتي بموجب اتفاقية أوسلو في سنة 1995. ولا تحدد أفكار ترامب أي جدول زمني لقيام دولة فلسطينية في تلك المنطقة بعكس دعمه لضم إسرائيل لنحو 10 إلى 15 في المئة من أراضي الضفة الغربية في وقت لاحق من هذه السنة.وعندما تتم سيطرة إسرائيل بصورة دائمة على القدس الشرقية ووادي الأردن تكون قد حصلت على ما يصل إلى 60 في المئة من الضفة الغربية، ويخلص عريقات إلى القول إن محتويات صفقة ترامب تهدف الى المحافظة على الوضع القائم، مما يعني دولة واحدة بنظامين «عن طريق حكم ذاتي دائم».* جيفري أرونسون – أميركيان كونسيرفاتيف