تقارب السعودية والصين وتأثيره على علاقات المملكة بأميركا
كان أول اجتماع بين الصين والمملكة العربية السعودية في عمان عام 1985، أول بادرة للعلاقات الثنائية الرسمية بين البلدين، وقبل عام 1990، لم تكن هناك أي علاقات دبلوماسية بين الدولتين، وقد سبق أن رفضت المملكة الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية كدولة، لكن بعد زيارة الأمير بندر بن سلطان، سفير السعودية لدى الولايات المتحدة، لبكين، تمت إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين البلدين، وتم تبادل السفراء وتنظيم اجتماعات على المستويات السياسية والاقتصادية وغيرها. وأخيراً، تحاول السعودية تعميق التقارب مع الصين لتنويع قاعدتها الاقتصادية، ولكسب الموقف السياسي الصيني المهم في التحولات الإقليمية. وقد تجلّى هذا التقارب في زيارة العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز الأخيرة إلى الصين في مارس الماضي وإبرام صفقات بقيمة 65 مليار دولار.ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه: هل سيمثل التقارب السعودي الصيني بداية للتراجع في العلاقات السعودية الأميركية، أم أن الفراغ الذي تشغله الأخيرة لا يمكن للصين أن تملأه؟ للإجابة عن هذا السؤال ينبغي طرح طبيعة التقارب السعودي الصيني على المستويين الاقتصادي والأمني، وتحليل انعكاساته على العلاقات السعودية الأميركية.من الناحية الاقتصادية، أكد نائب وزير التجارة الصيني في أكتوبر الماضي، عزم بكين والرياض إنشاء صندوق استثماري بقيمة 20 مليار دولار، موضحاً أن السعودية هي أكبر شريك تجاري للصين على مستوى غرب آسيا وإفريقيا، في حين قال نائب وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي إن المؤسسات السعودية مستعدة لدراسة تمويل نفسها جزئيا باليوان، والصين مستعدة لتقديم مثل ذلك التمويل. وهنا يمكن للسعودية أن تكسر قاعدة استخدام الدولار بتعاملاتها النفطية مع الصين لاستخدام اليوان، كجزء من التوجه نحو الصين، وتعويضاً عن دور واشنطن الذي قد يتلاشى مستقبلاً في الشرق الأوسط. وخلال مكالمة هاتفية جمعت الرئيس الصيني والملك سلمان في نوفمبر الماضي، أكد الرئيس الصيني عزم بلاده على تقوية الشراكة الاستراتيجية مع الرياض لمواكبة التغيرات التي تحدث في المنطقة، لاسيما أن صادرات الخام السعودي إلى أميركا انخفضت إلى أدنى مستوياتها في 30 عاماً. في حين ستسمح الصين للسعودية بزيادة مبيعاتها في ثاني أكبر سوق للنفط بالعالم، بينما أصبحت أميركا مكتفية ذاتياً بالنفط.
وعلى المستوى الأمني، يرى بعض المحللين أن السعودية تحاول خلق حرب استراتيجية بين الدول العظمى، للفوز بتسليح ودعم أمن المملكة، خاصة بعد أن أظهرت الولايات المتحدة استجابةً ضعيفةً لاحتياجات السعودية الأمنية والعسكرية في ظل التحديات الأمنية التي تواجهها، الأمر الذي سيفتح الباب أمام الصين وروسيا لنشر ثقلهما في المنطقة وتنسيق مواقفهما ضد واشنطن، ما سيجعل أميركا لاعباً غير مؤثر أو خارج لعبة الشرق الأوسط. ومع ذلك، تدرك السعودية أنه لا يمكن التخلي عن الدور الأميركي في مجال الأمن القومي لحساب الصين على المدى القريب، حيث ما زالت الصين مقارنة بأميركا أو حتى روسيا، أقلّ التزاماً تجاه دول المنطقة سياسياً وعسكرياً. كما أن لدى واشنطن القدرة على تحمّل أعباء الانتشار العسكري، وتطورها العسكري، وتشكيل تحالفات. أما الصين فليست لديها القدرة على تحمل تلك الأعباء الأمنية، ولا ترغب في الاصطدام مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بل تستفيد من الهيمنة الأميركية هناك، إذ تؤمّن طرق الملاحة (النفط المصدّر للصين) دون إجراء أي استثمارات كبيرة لحماية المنطقة. وفى خضم الصراع السعودي الإيراني الحالي، تدرك الأخيرة أنه لا يوجد حالياً بديلٌ عن الوجود العسكري الأميركي في الخليج للحدّ من النفوذ الإيراني، خصوصاً بعد أن تطورت العلاقات بين السعودية وأميركا عقب انتخاب دونالد ترامب، لتشاركه معها في الحد من النفوذ الإيراني، ولدعمه للإصلاحات السعودية، حيث بدأت تتوسع العديد من بنوك الأميركية في السعودية. يهدف النهج الصيني في ما يخص علاقة الصين مع العالم إلى إبقاء جميع القوى الفاعلة الرئيسة في خانة الأصدقاء؛ وتجنب اكتساب عداوة دائمة، لأن أمام بكين عدة مخاطرات، منها أن زيادة التورط الصيني في المنطقة من الناحية الأمنية، سيؤثر على المصالح الأميركية والروسية. وعليه يواصل الصينيون العمل على طول خطوط المصالح الذاتية الضيقة والاقتصادية، وطالما أن الصراعات لا تشكل خطراً أساسياً على خطط بكين، فمن المرجح أن تستمر بهذه الاستراتيجية. كما تعد مبادرة «طريق الحرير» وسيلة الصين للتأثير في التحولات العالمية، فإبرام شراكات اقتصادية وثقافية بين بكين ودول أخرى يثبّت أقدامها كلاعب رئيسي بدأ يهيمن على الشؤون العالمية.تدرك المملكة العربية السعودية جيدا أن الدور الذي تلعبه الصين في ما يخص الصراع السعودي الإيراني، يصب فقط في مصلحتها الخاصة، لذلك فالرياض ليست لديها قناعة بأنّ بكين ستتخلى عن علاقاتها مع إيران في المستقبل لصالح علاقاتها مع السعودية. كما تدرك الرياض مخاطر الانفصال التام عن واشنطن، وأنه لن يصب في مصلحتها على المدى البعيد. ومن ثم، ستحاول المملكة الاستفادة من علاقتها الاقتصادية مع الصين مع الحفاظ على علاقتها الوظيفية والأمنية مع واشنطن. كما تدرك كل من السعودية والصين أيضا أنه في ظل وجود قواعد عسكرية أميركية في جميع الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، لن تتمكن السعودية من إزاحة الولايات المتحدة من موقعها كفاعل عسكري مهيمن في الخليج العربي. كما ستستفيد المملكة من الحفاظ على كلا البلدين كسوق رئيسي لصادراتها النفطية المستقبلية. وما يبدو على الأرجح هو أن الصين والمملكة والولايات المتحدة ستقوم بعمل توازن ثلاثي للقوة في الخليج يصب في خانة مصالحها المشتركة دون أن يقوم أي طرف بتهميش الأطراف الأخرى أو إزاحتها من المشهد.● أحمد القيسي * المدير العام للمركز الدولي لتقييم المخاطر الاستثمارية في أبوظبي، دولة الإمارات العربية المتحدة.