تواضعوا قليلاً
قضيتان أخذتا الكثير من الهم الداخلي، كما عبر عنهما عدد من المغردين في الأيام الماضية، الأولى تصريحات الرئيس الفلبيني، والثانية تتعلق بكلمة وزير الدفاع الشيخ ناصر صباح الأحمد في لقاء جمعه مع صحافيين عراقيين.في القضيتين، ظهر كم كبير من الغطرسة والتعالي بشكل من التعصب للوطنية الكويتية، تجسدت بشكل معيب كصورة مريضة لنرجسية ذات كويتية منغلقة متحاملة، ترفض مواجهة واقع ممارساتها، تنظر من الأعلى للأسفل للغير (لغير الكويتي) حسب منظورها وثقافتها التي كرستها حالة البحبوحة النفطية ومرضها الريعي، وللمفارقة بينما تنتقد تلك الأصوات الشعبوية مواقف للسلطة سواء كانت في الحكومة أو في المجلس النيابي، حين رفعت هذه السلطة شعار "إلا سمعة الكويت"، وكأن العالم يتحامل علينا وعلى "سمعة بلد الإنسانية"، بينما قوانينه تضج بمخالفات دستورية وتنتهك أبسط حقوق الإنسان في حرية الضمير، وتتسابق الأحكام القاسية بزج المغردين في السجون تجد عند العديد من الأصوات الشعبية من يتبنى في عقله الباطن خطاب السلطة الرسمي ويزايد عليه! ازدواجية غريبة.
الرئيس الفلبيني لم يفعل غير أن يظهر اهتمامه السياسي بأوضاع العمالة الفلبينية (أكثرها عمالة منزلية) فحوادث انتهاكات لحقوق وكرامة تلك العمالة تنشر في صفحات الجرائد بشكل شبه يومي، من جرائم ضرب وحبس في المنازل وحرمان من الإجازات وغيرها، وتعرض تلك الجرائد متفاخرة مثلاً صوراً مهينة لفلبينيين "متشبهين"، حسب وصف ثقافة الرياء المتعالية، في محلات مساج يملكها ويكفلها ويتاجر بها ابن البلد "المنتج من عمل غيره وغير القابل للنقد".ما نتحدث عنه الآن أفعال وانتهاكات كثير منها لا يصل للمحاكم، بينما قراءة سريعة لقوانين العمل في القطاع الأهلي لا نجد فيها أي قانون يحمي هذه العمالة بقواعد آمرة، لنترك وضع العمالة المنزلية وغول نظام الكفالة الخليجي، ما هو وضع العمالة الأجنبية بصورة عامة؟! كيف ننظر للوافدين وأغلبهم عمال بصورة مجملة؟ وكم هي البطولات التي حققها بعض نوابنا في وصمهم واضطهادهم (الوافدين) ككائنات زائدة على الحاجة...؟ ثم نأتي بعد كل ذلك لنتحمس ونرفع رايات البطولات العنترية عن سمعة الكويت... وكأن العالم من حولنا تشكل بصورة القرود الثلاثة التي لا تتكلم ولا تسمع ولا تشاهد.القضية الثانية هي لقاء وزير الدفاع مع صحافيين عراقيين، أبدى فيه الشيخ ناصر أهمية العراق للكويت، بما يعني ضمناً أهمية العراق (وإيران معه) لمشاريع الانفتاح والاستثمار القادمة، ولا يهم هنا إن اتفقنا أو اختلفنا حول صياغة عبارات وزير الدفاع، ما يهم والمحزن هنا أن الكثيرين وجدوا في لقاء نائبة عراقية تنتقد فيه الكويت من بين 275 نائباً ونائبة بالعراق مناسبة للرد على وزير الدفاع، ولوصم العراق بملايينه العشرين، بأنهم ما "يستاهلون"... ولنعيد كل الكلام الطويل عن الاحتلال العراقي وأيامه السوداء، وكأن كل العراقيين هم نسخ مكررة من صدام حسين! هل هناك تعال ونرجسية أكثر من ذلك؟! وهل كانت تلك النائبة تتحدث بلسان كل عراقي...؟ لماذا هذا التحامل نحو الغير؟ وهل تتصور تلك الجماعات المتحاملة أنه يمكن نقل الدولة بحركة سحرية لنضعها مكان سويسرا ونجاور ألمانيا وفرنسا وإيطاليا؟!أسعار النفط تهاوت، وآلاف الشباب قادمون لسوق العمل في قطاع عام مثقل لا يمكنه استيعابهم... ما العمل في وضعنا الاقتصادي المريض...؟ هل لدى حزب المتحاملين تصور آخر نحو مصدر جديد للدخل العام للدولة غير استغلال وضع الدولة الجغرافي واستثماره...؟ تواضعوا قليلاً.