الانتفاضة التي لا تموت
![مصطفى البرغوثي](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1564897822016822100/1564897879000/1280x960.jpg)
ورغم تفنن وسائل الإعلام الاحتلالية ومن يناصرها بالقول أو بالصمت، في محاولة نشر مشاعر الإحباط واليأس، ورغم الغضب على الأداء السياسي للمؤسسات الفلسطينية، واستمرار ما قرر المجلس المركزي وقفه من تنسيق أمني، تتعمق في فلسطين جذور ما يمكن وصفه بانتفاضة شعبية تجري على شكل موجات متكررة، وبأساليب ووسائل متنوعة ومتعددة. وقد عاشت الأراضي المحتلة أنشطة المقاومة المتتالية طوال عام 2015، ثم اتخذ النضال شكل انتفاضة شعبية حقيقية في القدس في يوليو من عام 2017، وجاء قرار ترامب بشأن القدس في أواخر العام الماضي ليذكي موجات متتالية من المظاهرات والهبّات والاشتباكات مع جنود الاحتلال. يوم الجمعة الماضي رأينا كيف تحولت المظاهرة أمام مستعمرة بيت إيل الى اشتباك شامل بين الشبان الفلسطينيين وجيش الاحتلال الذي اقتحم مدينة البيرة واستخدم كل أنواع الرصاص وقنابل الغاز والمياه العادمة، ولم يصب العديد من المتظاهرين بالرصاص المعدني والحي فقط، بل سبب أذى لا يوصف لمئات العائلات القاطنة في المنطقة بسبب كثافة الغاز الذي أطلق. ولم يتورع جنود الاحتلال عن إطلاق قذائفهم على الصحافيين ومتطوعي إسعاف الهلال الأحمر والإغاثة الطبية والدفاع المدني بما في ذلك تحطيم زجاج سيارة إسعاف الإغاثة الطبية الفلسطينية بالرصاص وإصابة مسعف وهو داخلها. على عكس أوهام بعض المرهقين، فإن فشل نهج التفاوض لم يحبط الفلسطينيين بقدر ما أذكى الإدراك الشعبي لدى الشباب الفلسطينيين أنه "ما حك جلدك مثل ظفرك"، ولا بديل عن الاعتماد على النفس، وخوض النضال من أجل الحرية. وما جرى في جنين يوم استشهاد الشاب أحمد جرار كان مذهلا، إذ خرج الرجال والنساء والشباب والطلاب بالآلاف في مظاهرة عفوية تضامنا مع الشهيد ابن الشهيد، وما جرى في نابلس من اندفاع لآلاف الشباب، لملاحقة سيارات ومدرعات الاحتلال التي دخلت المدينة كان بمثابة استفتاء شعبي على خيار مقاومة الاحتلال، ورفض الرضوخ لعبوديته، وكم كان معبرا ما رأيناه عندما زرنا الجرحى المصابين بإصابات خطيرة في مستشفيات نابلس، إذ كتبوا على أكفهم اسم الشهيد أحمد جرار قبل أن يصابوا. يوم الجمعة الماضي تحدى الشباب المتظاهرون ببسالة جنود الاحتلال في رام الله والبيرة، وسلفيت، وبيت لحم، والخليل، ونابلس، وقطاع غزة، وبيتا، ومادما، وبورين، وبيت فوريك، والمزرعة الغربية، وبدرس وتقوع، والعيسوية، ومخيم شعفاط، ونعلين، وقلقيلية، وكفر قدوم، وبيت فجار، وجنين، ومع ذلك لا يرى بعض الناس، بحكم البعد عن الواقع، مدى تعمق واتساع المقاومة الشعبية الفلسطينية.هناك جيل جديد من الشباب الفلسطينيين، لا يقل وطنية عن أجيال الانتفاضة الأولى والثانية، يتمرس بأساليب المقاومة الشعبية، ولا يقبل أن يخدع بالكلام المعسول أو الوعود الفارغة، ولن يتنازل عن حقوقه الوطنية وعلى رأسها حقه في العودة، وفي عاصمته المقدسة القدس. * الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية