في التنهد، مفتتح وقصيدة
في سنوات الكهولة، التي تتمتع بملمس ورقة الخريف ولونها، تلح على أحدنا الحاجة للحب، فهل يملك قدرة على أن يتوهمه؟ وهل يعتبر هذا التوهم، إذا ما حصل، خداعا للنفس؟ وهل يصح للشاعر هذا الضرب من الإيهام، ولا يصح لسواه؟ كم تلح على الشاعر الكهل هذه الأسئلة، وهو يقف في حديقته، تحت ندف الثلج الهاطلة في صبيحة يوم شتائي كهذا. لندن بخيلة مع ندف الثلج، فشتاؤها معرَّض لتيارات المحيط الدافئة نسبيا، مقارنة بالبلدان الشمالية. لذلك فزع إلى حديقة البيت، آمنا من البرد، بفعل دفء عاطفة داخلية رفعته، عن غير إرادة منه، شبرين، أو هكذا قدر المسافة من خفة جسده. خرج لأن ندف الثلج وهي تمس رداءه، كما تمس روحه، وحدها التي تليق بهذا الحب الذي اجتاحه، عن حاجة، أو إيهام للنفس، أو حقيقة حدثت فكتمها زمنا. لا يعرف على وجه اليقين. ولمَ عليه أن يعرف؟ قال لنفسه مستنكرا. لمَ لا يكترث للعاطفة التي ألمَّت به وحدها، دون التحقق من العلل؟ الشاعر داخل المتاهة لا يكاد يرى حدا فاصلا بين الحاجة والوهم والحقيقة. مع الحب وحده عليه أن يحلِّق دون تردد، شبرين عن الأرض، أو إلى الأفق، كطائرة ورقية أفلتت من يد صبي.حين دخل البيت ثانية، رأى في المرآة الثلج على شعر الرأس، وعلى الكتفين مازال ندفا بيضاء، كندف الحب التي اطمأن لها داخل روحه. وعلى حذر رفع أصابعه إليها، لمزيد من طمأنينة الكهل، وإذا مسها ابتلت أصابعه. أحسها وقد تحوَّلت إلى قطرات ماء باردة، تنحدر إلى قشرة الرأس.
رائحة الشاي داخل البيت تتعالى، وندف الثلج خارجه تهطل ما زالت، فلم يكترث؟ استراح إليهما وتنهد.قصيدة في التنهدهل يليق التنهد بالرجل الكهل؟ هذا عزاء يحط على راحتي، بطمأنينة. كنت في غفوة، ثم أيقظني. فيه من طائر الحب أكثر من شبه!غير أني ألفت التنهد، سيان، عند الأسى والمسرة،عند احتقان الزمان وضيق المكان. في التنهد ما من شكاة،تتعالى رمادية كخيوط الدخان.وكذا في الكهولة ما من رحاةتطحن العمر طحن النواة.قد تلوحين، سيدتي، في شراع عبر.أو بقايا أثرفوق رمل كثيب.قد تمسين سبابتي ببرودة ضوء القمر، أو جبيني بدفء المغيب.قد تلوحين عارية في نسيج الستارة، ذكرى من الأمس غامضة في إطار.قد تلوحين وهما على الجفن. ما من خيارغير هذا التنهد للرجل الكهل، ما من خيار.