يواصل شباب المعهد العالي للفنون المسرحية التنافس فيما بينهم، ضمن فعاليات مهرجان الكويت الدولي للمسرح الأكاديمي في دورته الثامنة، حيث عرضت أمس الأول مسرحية "دماء على ورق"، على مسرح حمد الرجيب.

والعمل عن نص "ذاكرة في الظل" للكاتبة مريم نصير، فيما أعدَّ المسرحية فجر صباح، وأخرجها محمد الأنصاري، وشارك في التمثيل: عامر أبوكبير، بدر البناي، محمد أكبر، مصطفى محمود، عبدالله الهويدي، يعقوب حيات، أريج العطار، آية الغمري، عدنان بلعيس، أريج الخطيب، هاني الهزاع، وديكور محمد بهبهاني، وماكياج وأزياء لين الأطرش.

Ad

لا يختلف اثنان على أن المسرح تخطى مفهومه التقليدي، في ظل الثورة التقنية الكبيرة، وسعي المسرحيين نحو منافسة مختلف القوالب الفنية الأخرى، فأصبح بعض المخرجين يتجهون نحو الاهتمام بالصورة، واستخدام اللغة السينمائية في العديد من الأعمال، بل اختزال الحوارات، والاكتفاء بالحركة والإضاءة في التعبير عن بعض الأفكار. ولعل عمل "دماء على ورق" أقرب ما يكون إلى هذه الصيغة، حيث تابعنا كيف ترجم مخرج شاب متمكن من أدواته النص بصريا بذكاء، معتمدا على صورة سينمائية استخدم خلالها تقنية "الفلاش باك"، واستطاع أن يسير على مستويين زمنيين مختلفين، محافظا على الإيقاع، دون أن يفقده ذلك زمام السيطرة على جميع عناصر اللعبة المسرحية، بل استطاع الأنصاري أن يخدعنا لوهلة، وحافظ على عنصر الإثارة والتشويق حتى الأمتار الأخيرة من العمل، عندما كشف عن ماضي هذا الشخص المضطرب الذي يعيش صراعا مع نفسه أدى به في نهاية المطاف إلى الهذيان.

على مستوى الفكرة، دارت أحداث المسرحية حول كاتب حبيس منزله يمس بين يديه مذكرات، فيما يصارع أفكاره وخيالاته، ويندد بما تعرَّض له من اضطهاد على يد من اعتقدنا في البداية أنه والده إلى أن يرحل الأب المزعوم، ونتابع كيف يحتفي هذا الرجل بحرقة على جثة الأب.

على الجانب الآخر يستذكر الكاتب قصة فتاة في مقتبل العمر تتخفى في ملابس شاب، لتعمل بأحد المناجم، حتى تتعرض للاغتصاب على يد صاحب المنجم عندما يكتشف هويتها الحقيقية، وفي تلك اللحظة الفارقة تتكشف لنا معاناة تلك الفتاة، حيث أجبرها الأهل على الزواج برجل يكبرها عمرا، ما دفعها لترك المنزل والهرب ومحاولة البحث عن نفسها إلى أن تسقط في براثن صاحب المنجم.

وبالعودة إلى الكاتب الذي يعيش صراعا مع ذاته، ويحاول التخلص من هيمنة الأفكار السوداوية على حياته، وبمضي الوقت، نتابع كيف تمضي حياة الكاتب والفتاة، وهما المحركان الأساسيان للأحداث، حتى تصل إلى ذروتها، وتتكشف حقيقة نوايا الكاتب، الذي ابتاع المنجم، وأمعن في إذلال مالكه الأصلي، لنتعرف على حقيقة الأمر، وأنه فعل ذلك مدفوعا بالرغبة في الانتقام من صاحب المنجم، وهو والده الحقيقي، الذي رفض الاعتراف به، وتركه ووالدته في متاهات الحياة، لينشأ ويتربى في أحضان رجل غريب، ويتملك الانتقام من الكاتب، لدرجة أنه لا يكتفي بتجريد والده الشرعي من ممتلكاته، إنما يدفعه الكُره والحقد لهدم المنجم على رؤوس الأبرياء.

ومن خلال أزياء يتضح لنا أن الكاتب سلط الضوء على جملة من القضايا التي كانت حاضرة في زمن قديم بمصر، منها زواج القاصرات وعنف الأبناء.

أما على مستوى الفرجة، فقد وظف المخرج الأنصاري السينوغرافيا بحرفية عالية، واستغل فضاء المسرح، وقطع الديكور عبر تقسيم الخشبة إلى جانبين، لتدور الأحداث فيهما بالتوازي. كذلك، اشتغل على مستويين، ليعبر عن اختلاف الزمان والمكان، فيما وفق المخرج في توظيف الإضاءة، ويبقى أن الإطالة وتعدد النهايات هفوات من الممكن أن يتداركها المخرج الشاب مستقبلا.

ورغم تميز السينوغرافيا، غير أن التمثيل واشتغال المخرج على الممثلين بدا واضحا من أدائهم المتزن، وتمكنهم من أدواتهم، واتضح ذلك من خلال انسجامهم على المسرح، وقدرتهم على الانتقال من حالة إلى أخرى، ولا أبلغ على ذلك من أداء عامر أبوكبير، الذي استغل جميع إمكاناته الصوتية والجسدية للتعامل مع الشخصية، خصوصا في مشهد النهاية عندما عبَّر ببراعة عن الحالة المأسواية التي وصل لها الكاتب، كذلك أريج العطار التي أبكت الحضور تأثرا مع تفاعلها مع الشخصية.