«واجب»!
![مجدي الطيب](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1458322261627985900/1458322269000/1280x960.jpg)
خارج السيارة بدت الفرصة مواتية لرصد التنوع العرقي والديني لسكان «الناصرة»، والوجود الإسرائيلي، رغم تجنب المخرجة التركيز عليه (العلم يرفرف في سماء المدينة، واثنان من الجنود الإسرائيليين يدخلان مطعماً فلسطينياً يبيع الفلافل)، والخوف الفلسطيني من العقاب الإسرائيلي (الهروب بعد قتل الكلب الإسرائيلي، والبحث عمن يتحمل مسؤولية المخالفات المرورية، وإصرار الأب على دعوة عميل في جهاز الأمن العام الإسرائيلي «الشاباك»)، والتوقف عند الوضع البيئي الكارثي (أكوام القمامة المُلقاة في كل مكان)، والعنف المحتدم بين الفلسطينيين أنفسهم في شوارع المدينة، لكن السيارة كانت فرصة أيضاً لتقارب بدا مستحيلاً، في بادئ الأمر، بين الأب والابن، بل إن العلاقة بينهما تبدو أقرب إلى علاقة سيدنا موسى والعبد الصالح المُلقب بالخضر، الذي كانت تنطق أفعاله بالحكمة لكنها مستغلقة على سيدنا موسى حتى قال له قولته الشهيرة: «إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً على ما ترى من أفعالي»، فالأمر المؤكد أن أفعال وأقوال «أبي شادي» كانت تبدو «قاسية في ظاهرها لكن في باطنها الرحمة». بل إنه تحلى بالحكمة في مواقف كثيرة بما يجعل الربط جائزاً بينه والجملة التي نطقت بها دعوة الزفاف: «بالحكمة يُبنى البيت وبالفهم يستقر»، مثلما تصلح كمدخل أو مفتاح للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي!«واجب» (96 دقيقة) فيلم إنساني عذب تمثل السياسة ركناً فيه لكنها لا تُغلفه بالفجاجة أو المباشرة المعتادة في مثل هذه النوعية من «أفلام القضية»، كذلك ينبض بالوطنية لكنه لا يتاجر بها، بل يضع ما يمكن وصفه «استراتيجية التعايش» مع الآخر الذي يسعى إلى محو الهوية (محظور على الفلسطينيين دراسة التاريخ في مدارسهم)، ويقدم نموذجاً للنقد الذاتي (مناهضة نهج تفكير ممثل المنظمة)، ويُرسخ معنى الوطنية (الأب يوهم ممثل المنظمة في إيطاليا بأنه يتحدث إليه على مقربة من شجر البرتقال وكروم العنب والبحر والجبال ليوقظ نعرته الوطنية التي فقدها في الغربة)، ويسعى إلى تقريب المسافات، وإزالة الفجوة، بين الأجيال (المواجهة بين جيلين (الأب والابن) وأيضاً (فلسطينيي الداخل والخارج) حول شكل وأسلوب التضحية). حتى الارتجال في الفيلم كان محسوباً، ومُرتباً له، فضلاً عن التصوير الرصين، والأداء الرائع من الممثل القدير محمد بكري وابنه، في الفيلم وعلى أرض الواقع، صالح بكري، فالفيلم رصد الصراع المحتدم في الأرض الفلسطينية المحتلة بشكل جديد، وقدم رؤية مختلفة لتناقضات وتعقيدات حياة لا نعرف عنها شيئاً، عبر أسلوب فني رائع، وسرد جذاب، ونهاية متفائلة توحي بإمكان وصول الأباء والأبناء إلى نقطة تفاهم.من هنا لم يكن إعلان فوز «واجب» بجائزتي المهر الطويل لأفضل فيلم روائي (المخرجة آن ماري جاسر) وأفضل ممثل (محمد بكري وابنه صالح)، في ختام الدورة الرابعة عشرة لمهرجان دبي السينمائي الدولي (6 – 13 ديسمبر 2017)، وجائزة «دون كيشوت» في مهرجان «لوكارنو السينمائي»، بعدما كان مرشحاً للفوز بجائزة الفهد الذهبي في المهرجان نفسه، وترشيحه لتمثيل فلسطين في سباق أوسكار أفضل فيلم غير ناطق بالإنكليزيّة، بمنزلة مفاجأة إلا لمن يطلقون الأحكام من دون أن يبرحوا أسرة نومهم!