أزمة العمالة الفلبينية، بأسبابها وتداعياتها ونتائجها، هي محصلة طبيعية للسياسة الحكومية العقيمة في إدارة شؤون البلد والعجز عن التفكير بإيجاد حلول مسؤولة للعديد من المشاكل المزمنة.إن ما نراه من بعض ردود الفعل المتهيجة أو التي تستخدم التهكم والاستهزاء نتاج هذه السياسة أيضاً التي شكلت ثقافة مجتمعية قد تتسبّب بقصد أو بدون قصد في تعميق المشاكل، خصوصا ما يتعلق بالجاليات والجنسيات الأجنبية.
كالعادة تحوّل بعض المواطنين إلى عباقرة زمانهم وكأنهم مستشارو استخبارات، فأخذوا بتفسير قرار الحكومة الفلبينية بإجلاء رعاياها من الكويت بشكل يثير الشفقة، ومنها الصفقة الفلبينية مع روسيا والصين لتزويد البلدين بالعمالة أو مطالبة الرئيس الفلبيني بمبلغ مليار دولار كابتزاز سياسي، واشتغلت عجلة الريتويت لمثل هذه السخافات.الجالية الفلبينية في الكويت تعدادها ربع مليون عامل، غالبيتهم من العمالة المنزلية، من إجمالي مئة مليون نسمة يشكلون عدد سكان الفلبين، بمعنى أن هذا البلد قادر على تزويد الدول الأخرى بعمالة كافية ولا تحتاج إلى خدم المنازل في الكويت لتشغيلهم في مصانع الصين وروسيا وغيرها، بالإضافة إلى ذلك فإن متوسط دخل العمالة الفلبينية في الكويت إذا حسبناه بمبلغ 100 دينار يكون 300 مليون دينار سنوياً أي ما يعادل مليار دولار، ومن الغباء أن تتنازل الفلبين عن هذا الدخل بالعملة الصعبة لمجرد أن أحد الجهابذة في الكويت أراد أن يغرد بها.يجب أن نعترف بأن القرار الفلبيني سيربك الحياة اليومية لآلاف العوائل الكويتية، رغم الاستعراض الإعلامي بطرد الوافدين الذي تحول إلى شعار المرحلة السابقة، فطبيعة الحياة والاتكال على العنصر الأجنبي جعل البلد أسير هذه الحاجة إذ لم تتحرك الحكومة لمعالجة هذا الخلل السكاني الممتد منذ عام 1991.والفلبين ليست البلد الأول الذي يتخذ قرار منع عمالته عن الكويت، خصوصا من العنصر النسائي، فقد سبقتها بنغلادش وتايلند وإثيوبيا وسريلانكا، والسبب المشترك بين كل هذه الدول ادعاءاتها بانتهاك حقوق هذه العمالة بدءاً بالضرب وسوء المعاملة وانتهاءً بالجرائم التي تتعرض لها.وفي المقابل تعرضت الكثير من الأسر إلى جرائم بشعة راح ضحيتها المواطنون وأبناؤهم، بالإضافة إلى سوء معاملة الأطفال بمختلف السلوكيات المنحرفة، وفي ذلك دلالة واضحة على انعدام أي معايير في اختيار حتى العمالة المنزلية.تجربة الحكومة في إقرار قانون العمالة المنزلية بدأت بأضحوكة ووهم ودون أي دراسات فنية واقتصادية واجتماعية وانتهت بفضائح إدارية ومالية كما هي العادة.يا جماعة الخير، المشكلة فينا، فلا سياسة ولا تخطيط ولا فهم للواقع العالمي الجديد، ولا حتى الاعتماد على طاقاتنا الوطنية، ونحسب أننا ببضع تغريدات أو تحليلات بهلوانية نحل مشاكلنا مع دول العالم، ولنتخيل فقط لو غادرت الجالية الفلبينية عن آخرها، وهو سيناريو قد يبدو صعباً من الناحية العملية، فكيف تكون الحال في الكثير من البيوت؟ والأهم من ذلك أين ستصل طوابير خدمة السيارات على مطاعم الوجبات السريعة بكل مسمياتها؟!
مقالات
أزمة العمالة الفلبينية!
13-02-2018