تيريزا ماي أخفقت ولا يمكن استبدالها راهناً
بعدما عملت تيريزا ماي السنة الماضية على تبديد الأكثرية البرلمانية التي تمتع بها المحافظون، رغم المعارضة العمالية التي افتقرت عموماً إلى التمويل، وصفها أحد زملائها السابقين في الحكومة بأنها "امرأة ميتة سائرة"، ولكن تبين أن هذا الوصف القاسي يعكس نصف الحقيقة فحسب، فحالة الجمود التي دخلتها رئيسة الوزراء هذه منذ الانتخابات تُظهر أن من الأدق وصفها بالمرأة الميتة التي لا تزال صامدة.دفع غياب السياسات والهدف في الحكومة البريطانية، فضلاً عن هفوات ماي السياسية المتكررة، الحزب المحافظ إلى شفير البحث عن زعيم جديد، فقد أصبحت الأدلة التي تؤيد التخلص من رئيسة الوزراء قوية، ولكن عند التأمل عن كثب ما قد يلي، نلاحظ أن ثمة حججاً أقوى، وإن كانت محبطةً، تعتبر أن بريطانيا ستكون أسوأ حالاً إذا حاولت استبدال قائدتها المتهاوية.منذ كارثتها الانتخابية، بددت ماي عدداً من الفرص الأخيرة. على سبيل المثال أساءت التعاطي مع تداعيات حريق مأساوي في برج غرينفيل، كذلك ألقت خطاباً هدفه إعادة إطلاق رئاستها للحكومة، فيما كان التصميم خلفها ينهار فعلياً، وعندما حاولت القيام بتشكيلات في الحكومة، رفض بعض وزرائها أي تغيير، لكن الأسوأ من هذه الهفوات فراغ الأفكار، فلا تزال السياسة التي لقبناها بـ"تيريزا ربما" السنة الماضي عاجزة عن تحديد الحلول لنقص المساكن في بريطانيا، وأزمة الاعتناء بالمسنين، والتراجع البطيء في خدمات الصحة الوطنية.
لكن الأكثر إزعاجاً صمتها حيال عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فاعتُبر هذا الصمت سابقاً مناورة ذكية لإبقاء استراتيجية التفاوض البريطانية سرية، ولكن بما أن من الضروري اليوم التوصل إلى صفقة قبل أقل من سنة، يتبين أن هدف السرية الفعلي إخفاء واقع أنه ما من استراتيجية. "خطوط ماي الحمراء"، التي تشمل مغادرة الاتحاد الجمركي في الاتحاد الأوروبي والحفاظ على حدود واضحة مع أيرلندا، متناقضة، وفي مسألة التجارة تريد حلاً يجمع بطريقة ما استمرار الأعمال مع استعادة السيطرة على التنظيمات، ويبدو أنها تتوقع من الاتحاد الأوروبي وضع المسوّدة.لكن إسقاط ماي قد يجعل عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي أفضل بقليل أو ربما أسوأ بكثير، فلا يستطيع أي رئيس وزراء حل التناقضات الداخلية في عملية الخروج هذه، مع أن أي رئيس وزراء آخر كان سيتحدث عنها بصراحة أكبر على الأرجح، وكما أظهر تحليل الحكومة نفسها قبل أيام، كلما سعت بريطانيا لاستعادة سيادتها ألحقت الضرر بالازدهار، لكن الخروج لم يفز بالأكثرية على أساس أن يصبح البريطانيون أكثر فقراً، كذلك لن يتمكن أي رئيس وزراء من فرض صفقة تشمل الأمر ونقيضه على الاتحاد الأوروبي، الذي يبلغ حجم اقتصاده ستة أضعاف الاقتصاد البريطاني.رغم ذلك قد يكون المحافظون مصيبين بالتفكير في أن قائداً آخر قد يقدّم أداء أفضل من ماي في عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي، إلا أنهم سيختارون على الأرجح شخصاً أقل ملاءمة، ووفق قواعد هذا الحزب على النواب اختيار مرشحَين: ربما واحد يؤيد عملية خروج "لينة" وآخر يدعم عملية خروج "متشددة"، ثم يقرر أعضاء الحزب الذين يدعمون الخروج المتشدد بنسبة ثلاثة إلى واحد مَن يفوز؛ لذلك نُرجّح فوز متشدد مثل وزير الخارجية الفوضوي بوريس جونسون أو النائب الفيكتوري الجديد جاكوب ريس-موغ، الذي انضم حديثاً إلى البرلمان.خلال عهد ماي تمضي بريطانيا قدماً في مسار الخروج من الاتحاد الأوروبي في عام 2019 من دون التوصل إلى أي حلول غير اتفاق انتقالي يمنحها بضع سنوات إضافية للتفاوض، ولا شك أن المحافظين سيطيحون بها في تلك المرحلة إن لم يقدِموا على ذلك اليوم، ولكن من المرجح أن يكونوا حينذاك أكثر استعداداً لاختيار خلف أفضل، بدأت حقيقة تداعيات عملية خروج متشددة (الاقتصاد، والحدود الأيرلندية، وتنظيمات قطاع الأدوية، وغيرها) تتجلى تدريجياً، ونتيجة لذلك يزداد حزب العمال ميلاً إلى مقاربة أكثر ليناً، مانحاً المحافظين مجالاً ليحذوا حذوه، ولا شك أن جيلاً جديداً ممن يطمحون إلى قيادة الحزب المحافظ سيكون أقل استعداداً من قادته الأكبر سناً إلى تفعيل سياسة قد تلحق الأذى بالاقتصاد ومعه بفرص حزبه الانتخابية، ومن المؤكد أن رئاسة ماي للحكومة أخفقت ويجب إنهاؤها، ولكن من الضروري عدم الإقدام على هذه الخطوة إلا عند التأكد من أنها لن تُستبدل بمن قد يقدّم أداء أسوأ.