«يقولون إن الحب أعمى، وذاك خطأ... بل الحب مبصر، ولكنه يرى بعين الجمال فيرى كل شيء جميلاً... لذلك كان الحب خلاصة الحياة... فمتى أحب الناسُ الناسَ تقلصت عنهم كل ظلال الشناعة فرأوا كل ما فيهم جميلاً... ومتى رأى الناس كل ما فيهم جميلاً عرفوا الحب... ومتى عرفوا الحب عرفوا الحياة».

هكذا يعرّف الفيلسوف ميخائيل نعيمة الحب الذي هو بالنسبة إليه صنو الأم والطبيعة والإنسان، بعين الحب أقبل على الدنيا، وراح يفتش عنه في كل مكان، في عائلته، في مجتمعه، في إنسانيته.

Ad

وجد الكاتب في الطّبيعة الرّاحة وصفاء النّفس والفكر، عاش في صومعتها، وامتلأ بعبق أزاهيرها، فاحتلت مكانة مميزة في قلبه وفي أدبه وقال في هذا الصدد: «لبسكنتا والشّخروب أثرٌ في حياتي، لا أستطيع حصره وتحديده».

تماماً كما الطبيعة، كان حب ميخائيل نعيمة لوالداته يعبق بالسمو فهي ولّدت في حناياه قلباً فيه عصبُ الحياة، قال: «لولا طموحُ أمّي وحُسن تدبيرها، لما تعلّمَ أيّ منّا أكثر ممّا تعلّم والدانا، أيّ: « طَهْ – واو – با – يا= طوبى».

أما حب نعيمة للإنسان فيدور حول العدل والحقيقة والأخلاق والكرامة والإحساس؛ فبالتّربية والأخلاق يسمو المجتمع الإنسانيّ ويتطوّر، «من هذا القبيل كرهي للتّهتّك والكذب والرّياء والتّدجيل والتّزلّف والمجاملة. يتلفّظ بها اللّسان، وينكرها القلب والوجدان. فوخز الإبر في جلدي لأقلّ إيلامًا عندي من وقع كلمة بذيئة في أذني». إنّها نظرةٌ مبنيّةٌ على أسس دينيّةٍ وأخلاقيّةٍ وإيديولوجيّة تؤمن بأهمّيّة الكلمة.

لا شعر بدون حب

الحب بالنسبة إلى الشاعر سعيد عقل أساس الحياة والأفعال العظيمة والاكتشافات والنبوءات، هو في أساس هؤلاء الأطفال المعجزين الذين لم يُكتشف سرّ قدرتهم بعد. «تُرى أكان هؤلاء الصغار تحت تأثير حبّ لم يتوقّعه المؤرّخون فيسجّلوه أو يتحدّثوا عن أثره؟».

في دراسة بعنوان «سعيد عقل ناقداً»، توضح هند أديب رأي الشاعر سعيد عقل القائل إن على الشعر أن يعبّر عن الحبّ بكل حالاته، ولا يمكن تصوّر الشعر من دون الحبّ.

تشير إلى أن الحبّ، بالنسبة إليه، تقمصٌ للجمال، وهو دائم الحضور، لهذا يصبح الحبّ غاية الإبداع الفني ووسيلته. ويتحقّق تعبيره الأفضل في البساطة، التي تستمد قيمتها من تناقض مزدوج. فهي إذ تُعبّر عن نوع من الراحة والهدوء الخارجيَّين، تكشف عن عمق التمزّق الإنساني، الضروري من أجل الارتقاء إلى الأعلى، إلى النوعي: «والبساطة إلهة عبادتها وجعٌ وجَزَع».

وحدها سذاجة الطفل، برأيه تتجرّأ على «اللعب» بموضوعات الحياة الخطرة والغامضة، واكتشاف الأسرار من أجل إطعام ذكاء الكبار. من هنا يرى سعيد عقل في «موسم في جهنّم» للشاعر الفرنسي أرثر رامبو تلك الميزة المعجزة لفكر يُضْمر خلف مَلَكَتِه للغموض الإنساني فضولَ الأطفال وسذاجتَهم: «الجميل أن هذا الديوان الجهنمي الأسطر، الإلهي الآلاء على مصائر المعرفة، إنما أعطي أن يكتبه ولد. وهكذا باتت قراءته خبز الصغار، وإلهام عظام العقول».