بين إعمار العراق وإعمار البدون
![أ.د. غانم النجار](https://www.aljarida.com/uploads/authors/30_1682522974.jpg)
إعادة الإعمار ليست "كبسة زر" تتجمَّع لها الأموال وتنتهي القصة. فلدينا في الكويت مشاريع كثيرة يستغرق بناؤها وتكلفتها أكثر مما استغرقه بناء الأهرامات، ومشروع جامعة الشدادية ليس إلا واحداً منها. يحدث ذلك في بلد مستقر متوافر به المال. أما إذا كان الوضع مضطرباً، وغير مستقر، وتتجاذبه الدول، ومؤشرات الفساد كبيرة، كما هي حال العراق، فإن المسألة تصبح أكثر تعقيداً. ومع كل ذلك، أظن أن عقد المؤتمر مفيد للكويت، ولمستقبل الاستقرار بالمنطقة، كما أنه مفيد للعراق، فلا ندرك معنى المستحيل حتى يتحقق. الإشكالية الأخرى، أن متخذ القرار كان الحكومة، دون إشراك الناس، على الأقل في البُعد المعلوماتي والطبيعة الاستثمارية للمؤتمر، وطبيعة العبء المالي المتوقع أن تتحمَّله الكويت، والذي سيتجاوز بكثير بند "الزهور". كما أنه كان من المفترض نشر المعلومات الخاصة بدعم الكويت للعراق في السابق، حتى لا تختلط الأمور، وحتى لا يتعامل البعض وكأن المسألة مبتورة ولا سوابق لها. مكسب آخر للكويت تحقق بقدوم هذا العدد الكبير من الدول والشركات والمنظمات الدولية والإعلاميين، حتى حاز خبر المؤتمر الصدارة بين الأخبار العالمية، مع التقدير الضمني للدور الرائد الذي تلعبه الكويت في مضمار تقريب الناس والأمم، ودورها الإنساني، وهو أمر مستحق للكويت أن تفخر به، في كثير من الجوانب، لكنه يثير "المواجع" في جوانب أخرى. فالملاحظ على وضع حقوق الإنسان، وخاصة في قضايا حرية التعبير وتعريض العشرات للسجن، أنها تتراجع بانحدار سريع.أما خارج إطار المؤتمر، فقد كنت أظن أن فكرة الإعمار قد تسحبنا من أيدينا إلى الحالة البائسة التي يعيشها البدون في تيماء والصليبية وغيرهما، والتي لن يتخيَّل أحدٌ أنها موجودة في الكويت، لكن لا يبدو أن ذلك على سلَّم الأولويات. إعمار العراق، إن نجح في تحقيق أهدافه القريبة والبعيدة المدى، ونأمل له أن ينجح، يجب أن يرغمنا على صياغة مشروع حقيقي لإعمار البدون، فقد تم تدمير أحلامهم، والعصف بمستقبلهم، وتكسير آمالهم، وبالذات الشباب. بعد أن انتهينا من مؤتمر إعادة إعمار العراق أظن أنه آن أوان التفكير جدياً في إعمار البدون، وفي ذلك سيتحقق إعمار حقيقي داخل الكويت ينعكس على أمنها واستقرارها، وقبل هذا وذاك إنسانيتها.