وقائع رواية «حَتْماً سَأكُون» مختارة ومرتّبة بعناية، وبعناصر تُفرد للفن الروائي حيِّزاً كبيراً. حين يصنع الروائي حامد أحمد الشريف نماذجه البشرية ويكون السرد فنيّاً يؤدي وظائف متعددة تتمثل في الكشف والإخبار والامتاع معاً، ونحسب أن الكاتب في هذا العمل امتلك بنية وهدفاً جمالياً وتلاحماً معقولاً بين الرواية والتاريخ.
قضايا وتطلعات
أبطال هذه الرواية شباب في مقتبل العمر يتأثرون بواقعهم الاجتماعي والأسري ويملكون مع ذلك تطلعات جيل جديد. وهؤلاء هم: عبد الرحمن الذي فقد أباه، وعاش في كنف أم صابرة، يود أن يعرف حقيقة ما جرى لوالده وأفقده أبوته. عبد الكريم، وحسن، والعم جريبيع، والعم جابر، وخيرية، ووالدة حسن، وأم عبد الرحمن، والعم شريان، وعزوز الشرير، وشلته... كلّ هذه الشخصيات التي يبرز من خلالها أكثر من بطل، وأكثر من قضية، تتشابك بينها الحبكة الروائية وتتكاثف العقد إلى أن تصل إلى عقدة كبيرة يكون مفتاحها حلاً لها جميعاً.ولعل حامد أحمد الشريف، بهذه الحكاية والخطاب واللغة المنبثقة من معجمات متعدّدة بتعدُّد البيئة المحلية أو طبيعة الحياة أو التجربة أو الموقف الروائي، استطاع أن يقدم لقارئه عملاً روائياً ضخماً، رصد فيه حركات أبطاله وقاس انتماءهم، ونبش عواطفهم، وحلّل شخصياتهم ومواقفهم، فألقى الضوء على مرحلة تاريخية كاملة، وأعاد تصنيعها روائياً، فأضاف إلى المكتبة الروائية كتاباً جديداً يُقرأ.أحداث خيالية
قدّم الروائي لعمله بمقدمة، مما جاء فيها: «المنطقة التاريخية كما تعرف حالياً أو حارة «الصور» بينبع البحر التي توسطت باقي الحارات القديمة وتميزت بوجودها على ضفاف البحر واحتوائها على الأسواق وكذلك جميع المنشآت الحكومية كانت مسرحاً قبل ثمانين عاماً تقريباً لهذه القصة التي سأرويها لكم. حيث كان الجوع شائعاً بين الناس وتسبب في نزوح الكثيرين والتنقل من مدينة لمدينة بحثاً عن لقمة العيش، وكان طبيعياً فقدان الأمن وكثرة النزاعات لأتفه الأسباب، فالجياع يصعب توقع ردود أفعالهم وكثير من الخلافات الدامية هم وقودها.. لذلك لم تهدأ ثائرة ينبع والقرى المجاورة لها إلا بعد اكتشاف النفط واستقرار السكان بقراهم ومدنهم بعد زيادة مداخيلهم.أبطالنا هم أهل هذه الحارة بكافة شرائحهم العمرية رجالاً ونساءً الذين صنعوا لنا ملحمة نستحضرها في هذه الرواية، مع التأكيد بأن الأحداث هي خيالية ولا تمت للواقع بصلة حتى وإن شابهت ما يحدث في ذلك الزمان من صراعات ونزاعات بين القبائل قبل استتباب الأمن واستقرار الأوضاع... كذلك ليس للشخصيات التي ستطالعونها أية علاقة بأهل هذا الحي حتى وإن تشابهت أسماؤهم.بقي أن نذكر بأن معيشة الناس وعاداتهم وتقاليدهم التي ستقفون عليها في الرواية هي واقع فعلي كان الناس يعيشونه في تلك الأيام الجميلة، وارتكزت عليه في وصف الحياة اليومية مجتهداً في نقله بأدق تفاصيله من دون رتوش، حتى تكون هذه الرواية رصداً لطريقة الحياة التي كانت تُعاش في تلك الأيام وتكون ضمن الأهداف الأساسية لاختيار هذا المكان وذاك الزمان مسرحاً للرواية»...