لم يكن ما حصل للكويت من غزو واحتلال بالأمر الهين الذي يمكن للذاكرة الجمعية أن تنساه، بل أزيد من ذلك أن النسيان جريمة استراتيجية لا تغتفر لأن ما حصل درس ثقيل لا بد من الاستفادة منه في بناء التحالفات الصلبة والتعامل مع الداخل والخارج بعقلانية، ليس فيها مكان للعواطف أو الشعارات. وقد ساهم بقاء النظام الغادر سنوات إضافية بعد حرب التحرير حتى إسقاطه في 2003، في منع سريان دورة عودة العلاقات الطبيعية بين الشعبين التي استرجعت حيويتها بوقود العلاقات الاجتماعية المتشابكة والصداقات المتينة، ولنا أن نتخيل لو أن نظام البعث الصدامي سقط بعد عام أو عامين من احتلال الكويت لكان الوضع أفضل بكثير، ولكن في السياسة لا تجري الأمور بهذه الطريقة لأن كل شيء فيها قابل للتغيير.
خلال الأيام الماضية انعقد مؤتمر الكويت الدولي لإعادة إعمار العراق، وبقدر ما كان الأمر واضحا من أهداف هذا المؤتمر، انجرفت بعض الآراء خلف معلومات مصدرها الأهواء والهواجس، والأخيرة أتفهمها إلى حد كبير، ولكن كيف يمكن التعامل مع الأهواء والفهم المتعمد لأشياء غير صحيحة؟ فمثلا أدت الكويت دور البلد المضيف والمنظم لمؤتمر الإعمار، وهو ما يعني أن أي عاصمة كبرى في العالم كان بإمكانها القيام بمهمة الكويت، كما أن عقد مؤتمر ثان في مكان آخر ليس بالأمر المستبعد كما حصل من قبل تجاه سورية، حيث عقد في الكويت 3 مؤتمرات دولية لدعم المهاجرين، والرابع عقد في لندن، الأمر الثاني وهو الأبرز هو أن هذا المؤتمر دولي لا كويتي، تشارك فيه سبعون حكومة ومئات من الشركات والمستثمرين.إن مقدار العقلانية الذي تتحرك به السياسة الخارجية الكويتية المتعلقة بالشأن العراقي أمر يستحق الإشادة لأنها تؤسس لعلاقات وثيقة مع عراق جديد ومتجدد، والاقتراب منه ومعاينة جار الشمال من الداخل أفضل بكثير من التعامل معه وفق معطيات قديمة لم يبق منها الكثير، وختاما لتؤدي الكويت دورها في جعل العراقيين يبنون البلد الذي يستحق أن يحافظوا عليه بدلا من تركهم على حافة الخطر والمغامرات المدمرة التي ضيعت ثرواتهم وأرواح شبابهم.
مقالات
الأغلبية الصامتة: عراق جديد
15-02-2018