لم أتوقع أن تتحقق مزحة خالد النفيسي، رحمه الله، وسعد الفرج، أطال الله في عمره، منذ 30 عاماً في مسرحية "حامي الديار"، بأن الحكومة قررت جعل "الديرة طبقات"! فمن يتجوَّل الآن في مدينة الكويت يجد أنها محاصرة بمشاريع طرق علوية من الداخل والخارج، في عملية تشويه غير مسبوقة لأي مدينة بالعالم، حتى إن شارع البلاجات الكلاسيكي في السالمية يتم على أطرافه بناء جسور علوية، إذ لا يوجد في العالم شارع يطل على البلاجات تنشأ فيه طرق علوية.
ورغم كل ما يتم بناؤه من تلك الجسور العلوية اللامتناهية، التي شوَّهت مدينة الكويت، وجعلتها طبقات، لم تحل أزمة المرور، بل تتفاقم يوماً تلو الآخر، لأن كل تلك الجسور والطرق العلوية تصبُّ في نهايتها بنفس المواقع التقليدية التي تقع فيها الكثافة السكانية والنشاط التجاري وأجهزة الحكومة الحيوية، وهو ما يؤشر إلى فشل تام لخطط الدولة التي وُضعت لحل الأزمة المرورية في الكويت، إضافة إلى ما سيلحق المدينة من منظر عام مشوه يصعب إصلاحه.لا يمكنك أن تجد جسوراً علوية في قلب واشنطن أو باريس أو لندن، أو في الضواحي القريبة منها، وكذلك في معظم مدن العالم المتطوِّر، وغالبية هذه المدن لجأت إلى وسائل النقل الجماعي تحت الأرض عن طريق المترو، وقللت من دخول السيارات إلى وسط المدينة، لحل مشاكل المرور والتلوث، عبر زيادة رسوم المواقف العامة داخل المدن بنسب كبيرة.بينما حلولنا الخاطئة في الكويت تعتمد على بناء المزيد من الطرق العلوية، لزيادة تدفق السيارات على وسط المدينة وضواحيها القريبة، مثل: حولي والسالمية والفروانية، ومنح ثلاث شركات نقل عام حق تسيير حافلات، ما يجعل الوضع كارثياً، بسبب الزحام والتلوث.المليارات من الدنانير التي صُرفت خلال السنوات العشر الأخيرة على مشاريع الطرق والجسور في مدينة الكويت حوَّلتها إلى مدينة أعمدة أسمنتية قبيحة من طابقين، وجسور علوية تمثل شرايين تنتهي بصمامات فيها جلطات كبرى تمنع المرور من خلالها، وفي النهاية مازال البلد يعاني ازدحامات مرورية خانقة ونسب تلوث عالية تهدد حياة المواطنين والبيئة، فيما نحن جميعاً ضحية عدم جرأة القرار الفني، وغياب الابتكار فيه، وأيضاً عدم مراعاة الجوانب الجمالية والتراثية في الحلول التي تتخذ لحل مشاكلنا الكبرى... للأسف.
أخر كلام
«الأشغال»... لماذا شوَّهتم الديرة؟!
15-02-2018