أين الحقيقة وأين الكذب والتلفيق والمبالغة والعنتريات البلاغية من جماعات المتعالين الكويتيين في قضية العمالة الفلبينية، وموضوع العمالة بصفة عامة؟تصريح السفير الفلبيني الذي تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي واضح، يقول فيه إن عدداً كبيراً من العمال الفلبينيين لم يتسلموا رواتبهم من شركة مقاولات ضخمة لعدة أشهر، وقسم منهم (العمال) فُرضت عليهم غرامات إقامة متراكمة، لأن جوازاتهم محجوزة من رب العمل (المقاول)، الذي بدوره تذرَّع بعدم تسديد التزاماته، بحجة أن تلك الالتزامات العُمالية يلتزم بها من الباطن. وتم الاتفاق، فيما بعد، على السماح للعمال المخالفين بالسفر بتذاكر مجانية، مع إعفائهم من الغرامات.
وزارة الشؤون وفَّرت سكناً وغذاءً للعمال المنتهكة حقوقهم، لحين حصولهم عليها، لكن هؤلاء العمال لا يريدون رزاً ومرقاً، هم يريدون حقوقهم، كي يحوِّلوها إلى أهاليهم في بلدانهم، الفقيرة بثرواتها الطبيعية. في أوطانهم يشقى البشر بعناء وعذاب دائمين من أجل لقمة عيش متواضعة، فهم بسبب صدفة المكان وحُكم الطبيعة لم تهبط عليهم الثروات من السماء، وهناك مَن يقول (في دولة الشفافية) إن الدولة صادرت الكفالات المالية التي قدَّمها المقاول، وخصصت كضمان لحقوق العمال. أياً كانت دقة هذه الأخبار، فالمتيقن أن هناك ما يقارب من 500 عامل فلبيني و1500 هندي لم يتسلموا حقوقهم العمالية، ولا صوت للمظلومين. لعل وسائل الإعلام ليس لديها مكان لنشر غسيل الفقر والبؤس، فالصفحات تكاد تُخصص للبشوت الزاهية في حفلات الافتتاحات الرسمية، وما يرافقها من ابتسامات المجاملات الفارغة التي حفرت على وجوه متحجرة صالحة لكل مناسبة ولكل الأوقات.هناك سؤال وأسئلة عن علاقة وضع العمالة الفلبينية في تلك المنشآت التي لم تتسلم حقوقها العمالية، وارتباطها بقرار الرئيس الفلبيني بحظر سفر العمالة الفلبينية للكويت، وهل كانت خلفية وضع العمالة المنزلية وما تعرَّضت له من انتهاكات في حقوقها؛ كثيرة أو قليلة، بمثابة الزيت الذي سكب على نار أوضاع العمالة الفلبينية ككل؟من السهل القول إن لدينا دولة قانون، ولدينا محاكم تنصف هؤلاء العمال، وغيرهم من العمال المنسيين، الذين لم يكونوا يوماً ضمن اهتمامات الدولة الرسمية، ولا التيارات السياسية (بصورة عامة، فتلك الفئات لا تصوِّت في مجالس العوائل والعشائر والطوائف، كما شكلتها السلطة)، وهم أيضاً لا يحتلون مكاناً إنسانياً في مبدأ الحق عند أغلبية مواطني دولة ثقافة "سفّروهم واختموا جوازاتهم"، حتى لا يأتوا مرة ثانية!دعونا نتذكر أن دولة القانون ليست مجرَّد مباني محاكم عالية الأدوار، ونصوص دستورية وتشريعية متناثرة، هي ممارسة نهج عدالة وإنصاف؛ بداية ونهاية، مع اقتناع الأغلبية بمبدأ الحق، حين تقف هذه الأغلبية من المواطنين مدفوعة بثقافتها ووعيها الإنساني مع المظلومين، على سبيل التضامن والمؤازرة، لا من باب التعاطف والشفقة. حين نتكلم عن حقوق العمال، كما ينص عليها قانون العمل بحد أدنى، تصبح هذه النصوص غير ذات معنى، وليست ذات جدوى في حالات تتمدد فيها أحكام العدالة لوقت طويل، بسبب ضغوط حجم القضايا في المحاكم، وإجراءات رفع الدعاوى، فكم من الوقت يلزم لهؤلاء العمال كي تحكم لهم المحاكم بحقوقهم؟ وأين لهؤلاء العمال الأجانب أن يعرفوا طريق المحاكم وإجراءات التقاضي من تقديم شكوى لمكتب العمل التابع لـ"الشؤون"؟ ثم الانتظار لآماد طويلة للإحالة للمحكمة، ثم الإعلان بصحيفة الدعوى، ونعرف تماماً هذه الأيام كيف يجري وضع الإعلانات القضائية، والشكل المأساوي التعيس الذي انتهت إليه إدارات الإعلان وأقسام إدارية أخرى في وزارة العدل بعِلْمها، وعجز السلطة عن بتر وَرَمِها السرطاني فيه. لعل الجميع أصبح يهمس بأن "الشق عود، والفساد ما تشيله البعارين"، لكن العين بصيرة واليد قصيرة، ويمضى الوقت بسنوات طويلة ينتظر العمال حقوقهم حتى تحسمها أحكام المحاكم بصورة نهائية، عندها لنا أن نسأل كم سيبقى منهم هنا؟ وما جدوى تلك الأحكام في النهاية؟!عيب ما يحدث!
أخر كلام
عيب ما يحدث
15-02-2018