كاتبة وروائية، رأت في الكتابة اقتحاماً للصمت المطبق على بعض الأعراف التي لا يجرؤ كثر على الثورة عليها، متسلحةً بإيمان مطلق بالثوابت ومنطلقة في تجربتها الكتابية من تقاليد جميلة تشربتها منذ طفولتها، سواء من خلال مجتمعها اللبناني أو من خلال مطالعاتها لكبار الأدباء والكتاب العرب والأجانب. ضمّنت روايتها {أوراق محرّمة} تراكمها الثقافي هذا، فغاصت في عالم المرأة بتناقضاته كافة وآلامه وآماله، وصراعها في التعبير عن ذاتها وتحقيق حضورها في مجتمع يتعاطى معها بمنطق ذكوري.

رولا فارس ضيا، زوجة سفير الباراغوي في لبنان حسن ضيا، تمزج في كتاباتها الأدبية تفاعلها مع الأدبين العربي والأميركي اللاتيني، ويظهر ذلك جلياً للقارئ من خلال عمق النظرة إلى قضايا الإنسان عموماً وقضايا المرأة خصوصاً.

Ad

حول روايتها الجديدة ونظرتها إلى الكتابة وإلى المرأة الأديبة كان الحوار التالي معها.

عنوان روايتك «أوراق محرّمة»، إلامَ يرمز؟

أوراق محرمة هي أوراق الأيام في مرايا الدروب الشائكة، هي المزيج العاطفي-الخيالي حين يحاكي الواقع المتمرد... هي الغربة بأوجاعها... هي معرفة الذات بدهاليزها... هي ضياع الهوية والحنين إلى الوطن، لتغمس رأسها في كل شاردة وهي تنعي ما حلَّ بنا وما نحن عليه، فلا شيء تغير في لبنان...

هي ميراي المولودة في الغربة والمتحررة من قيود المجتمع، لكنها تدفع ضريبة عادات أهلها وتقاليدهم.

هي ريف حين يتذكر أوجاع الوطن/ الانقسام في وطني ألقى برداءته على الجاليات العربية، وكأنما ليس يكفينا همُّ غربتنا وأنين شوقنا لوطن ما تركناه يوماً طوعاً، وإنما بحثاً عن الأمان والعيش الكريم.

كيف تختصرين أجواء الرواية؟

تدور أحداث هذه الرواية ضمن المناخات والأجواء التالية: «للخريف مع الأرض حكاية أوراق تائهة، ولحكايتي مع الحبّ طعمُ ذاك الخريف. حبّه أربَكَ زمني وشتّتني على أرصفةِ المُدُنِ، أناجي نوافذَ الخلاص. وحيدة في عتمة القدر، في عقم الألف سؤال، سلكت طريقاً أذرت الريح ترابها، وتشرّدت على شواطئ الأحلام، في جزر لا أسماء لها».

وتجربة الغربة؟

أنا ابنة الغربة المالحة، عشت تناقضاتها وتوهجاتها، عايشت تشرد التيه عند المرأة على أرصفتها، في الزواج المبكر، وفي تربية الأطفال بمجتمع مختلف، وفي صراع الهوية والتأقلم مع عادات وتقاليد جديدة تختلف كلياً عن عاداتنا وتقاليدنا. عايشت المقاربات الخاطئة لبعض المغتربين، خصوصاً في تربية أولادهم.

كيف عالجت هذه الغربة بالذات في روايتك؟

نحن نتغير دائماً وللغربة ضريبة سعيت أن تكون ملامحها متجددة وواعية، ولكن في الوقت نفسه أردتها متمسكة بالثوابت، لأن هذا ما يعطي الإنسان عموماً، والمرأة خصوصاً، ثباتاً في النظرة والتزاماً واضحاً مع المنطق والوعي في مقاربة الواقع والحياة والتربية والحب والعدل وقضايا الإنسان كافة.

هل استطاعت المرأة الكاتبة كسر المحرمات والتعبير عن نفسها بجرأة؟

على الرغم من وجود حواجز ذكورية في مجتمعاتنا فإن الواقع وتمرّد الأنا منحا المرأة شهادة إبداع لتقدم للثقافة العربية رؤى إبداعية مرهفة وجميلة، فكتبت من أعماقها بكل وعي وإنسانية وحاولت إقامة الجسور بين الإبداع والتمرد والوعي.

قضايا المرأة

رولا فارس كيف تحددين نفسك؟

أنا عربية، لبنانية، جنوبية من بلدة شحور. «أوراق محرمة» تجربتي الأولى في عالم الرواية، لذلك شعوري مزيج من القلق، الفرح والمسؤولية، لأن الكتابة مسؤولية والدخول الى هذا العالم، ليس بالأمر السهل، إذ على الكاتب أن يكون على قدر عالٍ من المسؤولية وتمكّن من الحرف والكلمة، وأتطلع إلى أن أكون أكثر عمقاً ومسؤولية.

كونك زوجة ديبلوماسي وسفير البراغواي في لبنان، حسن ضيا، إلى أي مدى ساهمت تجربتك كزوجة سفير وتنقلك بين لبنان والباراغواي في تعميق رؤيتك لقضايا المرأة؟

ربما تجربتنا الدبلوماسية شكلت لي حافزاً للبحث أكثر عن تحديات وفرص تتيح للمرأة تعزيز دورها وتطويره. للأسف، مجتمعاتنا العربية تعاني الكثير من العلل. فحين استطاعت المرأة اللاتينية تجاوز عقبات الذكورية واعطيت حقها الإنساني والقانوني في ظل دولة علمانية، ما زالت في مجتمعاتنا تعاني الكثير من المشكلات التي يغذيها الجهل والجنس والطائفية والعنصرية.

تصورين المرأة في الرواية صنواً للأرض والوطن، فهل للغربة دور في رسم هذه الصورة؟

أوجع ما قد تفعله بك الغربة هو الحنين المعتق حين يصبح الوطن تنهيدة معلقة على الغيم، أو حين تصبح أحاديثنا كلها تبحث عن مفاتيح السلام والاستقرار والعودة رغم اعمدة الشقاء.

كيف بدأت علاقتك بالكتابة؟

لم أكن أريد الكتابة يوماً، كنت أحتفظ بتمردي بعيداً عن كل زمان ومكان. أحياناً الزمان والمكان خرائط بلا ملامح تمضغ الحروف وتكابر، ولكن صرخة من أعماق الخلايا أو ربما شهقة أردتها أن تكون بصمة. فكتبت محاولة اقتحام الصمت علني أوفق في تشكيل تفاصيل جديدة تضاف إلى رحلة الحياة الأدبية.

ما رسالتك للشباب الناشئ في حال أراد ولوج ميدان الكتابة؟

أنا مع تشجيع القراءة أكثر فأكثر للشباب الناشئ، لأن الكتابة نتيجة الموهبة، والخيال الواسع والإرادة والجرأة. إن لم نملك هذه الصفات من الصعب أن نخطو هذه الخطوة لما يلزمها من أمور تتعلق بالكتابة والصياغة. برأيي، كل قارئ هو كاتب لأن كثرة القراءة قد تنمي القدرة على الكتابة. أحب أن أترك الكتابة للأشخاص الحالمين ولأولئك الذين يمتلكون قدرة على إيصال ما لديهم، ودعائي الدائم أن أكون منهم.

أتمنى أن نكون يداً واحدة، هذا ما يتمناه كل شخص فينا في ظل ما نشهد من فساد وحروب وتعطيل لمؤسساتنا، ونتحلى بالوعي، والوعي كلمة أوجهها لنفسي قبل غيري، فلا تأخذنا العواطف دائماً إلى أي اتجاه ولنحلل الأمور حتى نرى أكثر بالعقل والمعرفة.

إلى أي مدى تأثّرت بالأدب في الباراغوي أو أدب أميركا اللاتينية؟

في الأدب اللاتيني نماذج مدهشة وجريئة، تستحق الاهتمام، فيها طعم غريب وجديد، نزعة إنسانية حملت في أصقاعها صراخ الهندي القديم واستعمار الأوروبي وثورات التحرر ومآسي الفلاحين وشقاء المهاجرين. يؤسفني أنه أدب غير معروف، فثمة أسماء ما زالت مجهولة ولا نعلم عنها الكثير نتيجة لقلة الترجمة إلى العربية.

«البرازيل بعيون اللبنانيين والمتحدرين»

حول جديدها الذي تحضّر له راهناً توضح الروائية رولا فارس ضيا: «جديدنا كتاب جماعي يصدر عن «دار الفارابي» تحت عنوان «البرازيل بعيون اللبنانيين والمتحدرين»، باللغتين البرازيلية والعربية».

تضيف: «لطالما شعرت بأن تلك الأجنحة التي حملت حلمها وهاجرت إلى القارة اللاتينية، تحديداً البرازيل، أتقنت فن إعادة صياغة الحياة وكبرت بحجم السماء. لأن البرازيل هي ابنة الحياة المرحة، تصنع الجمال وتبدعه، من الطبيعة إلى الإنسان فالفكر والأدب والشعر والفن، ولأنها حوّلت تشتيت العروق والثقافات إلى أمة واحدة، في روحها تقاليد الهندي والزنجي والفلاح والأوروبي والياباني والعربي... لذلك تمحورت الفكرة حول كتابة نصوص لمثقفين عرب عاشوا أو يعيشون في البرازيل، ولديهم تجارب تعكس صورة البرازيل في عيونهم، وتدس قمح الحياة في مسيرة وتجربة جديرتين بالنشر. فكان هذا الكتاب بمثابة رسالة أو تجربة بسيطة فيها كثير من الحب للبرازيل وللجالية اللبنانية. تشاركني فيه مجموعة من المثقفين اللبنانيين والمتحدرين من أصول لبنانية».