العنف يولد الأعنف
لن أتكلم عن حادثة وفاة الطفل الصغير عيسى البلوشي، رحمه الله، فالكلام فيها لا يكفي، لكن سأسلكم بالله عليكم أليس هناك من سيصدع رؤوسنا بأننا كلنا تعرضنا للضرب وأصبحنا أناسا أسوياء وما فينا إلا العافية؟ نعم، عن أي عافية تتحدث؟ لقد حملنا في أعماقنا آلاما نخجل أن نذكرها ونتكلم عنها، فمجتمعاتنا العربية لا تعترف بالألم النفسي أو التعذيب النفسي، وكلمة مرض نفسي أصلا من العيب أن تذكرها، حتى لو حملت بداخلك انفصاما بالشخصية أو أصبحت مجرما بسبب ما، فهم لا يفهمون هذه الكلمة. الضرب يولد كوارث نفسية لا يجرؤ أي إنسان عربي أن يتحدث عنها إلا بسخرية؛ ليداري خيبته التي لا يستطيع أن يشرحها إلا بهذه الطريقة، لكن من منا لم يكره تلك المعلمة أو ذلك المعلم الذي مدّ يده يوما واعتدى ضربا على أجسادنا بيديه القويتين أو بمسطرته التي كان المعلمون يتنافسون على كبرها وقوتها وطولها؟ وأي أذى تستطيع أن تحدثه إذا ما استعملت على أيدي الصغار وأصابعهم الغضة؟ كم مرة مرت على عقلك وجوههم الغاضبة، وهم يفرغون شحنات غضبهم، ليس لتربيتنا إنما لإرعابنا؟ إننا نتحول إلى كائنات تشبههم عندما نكبر، فما عرفناه هو أنه يجب أن يخاف منك الأطفال، ويجب أن تضربهم لكي ينفذوا أوامرك، كأنك سجان ولست والدا أو والدة، إننا نستعمل الضرب وأقولها عن تجربة من الأبوين والمعلمين، إنما لنفرغ شحنات الغضب في من هم أضعف منا وليس لنربيهم، فلو التفتنا إلى أنفسنا وسألناها: ما الدرس الذي تعلمه ابني أو تلميذي عندما ضربته؟ لا شيء سوى أني أرعبته وحولته إلى نسخة أخرى مني سيضرب أخاه الصغير أو من هم أصغر منه في المدرسة، وستتكرر دوامة العنف إلى أعنف والتجارب التي عشناها تكفي.