لمَ الديمقراطيون مهووسون بروسيا؟
عززت مسألة تدخل روسيا المزعوم في الانتخابات الرئاسية الأميركية الانقسام الحزبي العميق والمر أساساً، إذ يؤكد الديمقراطيون والمجتمع التقدمي أن تلك الأمة المعادية عملت على إنزال الهزيمة بهيلاري كلينتون ودعم فوز الرئيس الذي تستطيع موسكو التأثير فيه أو حتى التحكم فيه. خلال حملة عام 2016 بحد ذاتها، شددت كلينتون على أن ترامب سيكون "دمية بوتين"، وقد ازداد هذا الاتهام تأججاً وانتشاراً منذ ذلك الحين، فيما راح الديمقراطيون ينادون بمخاطر التدخل الروسي الظاهري في الانتخابات، فخلال جلسة لجنة الأمن الوطني التابعة لمجلس النواب في شهر مارس 2017، اتهمت النائبة الديمقراطية بوني واتسون كولمان روسيا بشن حرب مفتوحة ضد الولايات المتحدة. قالت: "أعتقد أن هذا الاعتداء الذي شهدناه شكلٌ من أشكال الحرب على مبادئنا الديمقراطية الأساسية".لم تكن كولمان الوحيدة التي استعملت مبالغة مماثلة، فخلال جلسات استماع لجنة المخابرات التابعة لمجلس النواب في الشهر عينه أطلق عدد من زملاء كولمان الديمقراطيين تصريحات منذرة مماثلة، فشددت النائبة الديمقراطية جاكي سبير على أن نشاطات روسيا تمثّل بالتأكيد "عمل حرب"، وردد النائب الديقراطي إريك سوالويل هذا التأكيد، وأشار إلى القرصنة الروسية المزعومة للجنة الوطنية الديمقراطية وأهداف أخرى: "نتعرض لهجوم من روسيا بأمر من بوتين"، كذلك قارن النائب الديمقراطي دينيس هيك بصراحة سلوك روسيا بالاعتداء الياباني على بيرل هاربر والاعتداءات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر، وأصر على أن المخاوف من روسيا لا دخل لها بالسياسة، بل على العكس "ترتبط بالوطنية، وبالدولة، وبجوهر ما أُسس عليه هذا البلد، ألا وهو الانتخابات الحرة، النزيهة، والمفتوحة".لا تقتصر عملية تضخيم الخطر هذه على أعضاء مجلس النواب، فعلى نحو مماثل وصف السيناتور الديمقراطي بين كاردين، عضو ديمقراطي بارز في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، التدخل في الانتخابات بـ"الاعتداء" وشبهه بـ"عملية بيرل هاربر سياسية"، كذلك أكّد ممثل فيرمونت في مجلس الشيوخ بيرني ساندرز: "يترتب على اعتداء روسيا على ديمقراطيتنا عواقب كبيرة".
وكما يُظهر تشويه كلينتون صورة ترامب ومهاجمة هيلمان نونيس، تحوّلت الهستيريا المتنامية بشأن روسيا إلى حملة للتشكيك في نزاهة كل مَن يعارض رواية أن روسيا تشكّل خطراً وجودياً يهدد الولايات المتحدة ونظامها الديمقراطي، وقد ذهب ساندرز بهذه التقنية إلى أبعد الحدود مع تعليقه على "تويتر": "نحتاج إلى معرفة ما إذا كانت سياسة الرئيس الخارجية تخدم مصالح بلدنا أو مصالح روسيا". إذا سلمنا جدلاً بأن روسيا تدخلت في الانتخابات، يبقى رد فعل التقدميين مبالغاً فيه إلى أبعد الحدود، ومن المشين مقارنة التجسس عبر الإنترنت باعتداءات بيرل هاربر والحادي عشر من سبتمبر، فتُقلل هذه المقارنة من أهمية ما حملته هاتان الحادثتان من رعب ومأساة. علاوة على ذلك، حتى لو تدخلت موسكو في الانتخابات، لا يُعتبر ما فعلته بالتأكيد عمل حرب، وخصوصاً أنه لا يختلف مادياً عما قامت به الولايات المتحدة طوال عقود في عشرات الدول، بعضها ديمقراطي.من الضروري أن يعمل التقدميون على تصحيح مسارهم، فعلى مَن يصدّقون حقاً خطابهم المتشدد أن يتماسكوا وألا يستسلموا لمتلازمة "الجنون الروسي"، أما مَن يستغلون بخبث الهستيريا المناهضة لروسيا كمضرب ينهالون به ضرباً على إدارة ترامب، فعليهم التمهل قليلاً والتفكير في أن أعمالهم تشعل "حرباً باردة" ثانية مع قوة تملك وسائل عسكرية تستطيع تدمير الولايات المتحدة، وفي كلتا الحالتين يسيء سلوكهم الحالي إلى بلدهم على نحو فادح.* تيد كاربنتر* «ذي ناشيونال إنترست»