«اطلعولي بره»!
من يشاهد فيلم «اطلعولي بره» لا بد من أن يخرج بيقين جازم أن ثمة انقلاباً سلمياً يحتدم داخل شركة «السبكي فيلم للإنتاج السينمائي» يقوده محمد، نجل المنتج الشهير أحمد السبكي. فالفيلم الذي شارك في كتابته طارق الأمير وفادي أبو السعود وأخرجه وائل إحسان، يمثِّل طفرة في المسيرة الإنتاجية للشركة، على صعيد الفكرة (شاب متردد عاجز عن اتخاذ قرار في حياته)، واختيار الممثلين (كريم عبد العزيز، وخالد الصاوي، وأحمد فتحي، مع الوجه الصاعد ملك قورة). والأهم التمرّد على «التوليفة السبكية» المعتادة، إذ لا يوجد مطرب شعبي (الليثي، أو الصغير، وغيرهما)، ولا الراقصة (دينا، وصافيناز، وإليسار، وآلا كوشنير)، ولا الفرح الشعبي الذي يشكِّل قاسماً مشتركاً لأفلام السبكي الأخيرة كافة!تحكي الأحداث قصة الشاب «يوسف» (كريم عبد العزيز)، الذي يعاني حيرة كونه لا يستطيع حسم اختياراته، ويشعر بأن في داخله أكثر من شخصية كامنة تُصارع للسيطرة عليه، وتفرض عليه رأيها. يجد ضالته في كتاب بعنوان «اطلعولي بره» يمكنه من الحوار مع الشخصيات التي تسيطر عليه، لنكتشف أنها تتمثل في شخصيتين هما: «كيكي» (خالد الصاوي) رمز الشر، و»أبو الخير» (أحمد فتحي) رمز الخير، كما هو واضح من اسمه، ليجد نفسه في صراع حول الطرف الذي ينحاز إليه، ويُخلصه من مشاكله العملية والعاطفية!
فكرة طازجة، أفسدها التطويل، والتكرار، والثرثرة، والخيوط والمواقف الكثيرة التي أصابت الفيلم بتخمة. فالشاب يُصارع عمه «كمال» (بيومي فؤاد)، كونه استولى على إرث أبيه في الوكالة الإعلانية والمطبعة، ويفعل المستحيل ليجذب انتباه ابنة عمه «أمينة» (ملك قورة)، التي يحبها من طرف واحد، ويفشل «أبي الخير» في استقطابها، بينما تُفلح حلول «كيكي» في إصلاح حياته، سواء في ما يتعلق بتخليصه من «سامح» غريمه اللدود في العمل أو إزالة الفجوة بينه و{أمينة»، التي تكتشف معدنه الأصيل، وحبه القديم، وتستعيد ذكرياتهما الطفولية، التي أخفاها عنها!معالجة جديدة لقصة «فاوست»، الذي باع نفسه للشيطان، خصوصاً بعدما انتصر الشر على الخير، ونجح «كيكي» معادل الشيطان في التخلص من «أبي الخير»، وانفرد بالسيطرة على «يوسف»، و{استثمر الوسخ بداخله»، حسب تعبير الشيطان. ولولا الإفراط في بعض المواقف (الإلحاح على زميله «بكري» لحضور زفافه، باعتباره فرصة لجلسة طويلة مع «أمينة»، واجترار ذكريات الطفولة، التي جمعته وابنة عمه في بيت الجدة، وانتهت بصدمتها بعدما حاول اغتصابها «ليكسر عينها» بناء على نصيحة الشيطان)، وإقحام شخصية المطرب محمد نور، بشخصيته الحقيقية، ليغني ويتسبب في ترهل الإيقاع من دون إضافة حقيقية إلى الخط الدرامي، لأصبحنا أمام تجربة مثيرة، وممتعة، تناغمت فيها العناصر الفنية، مثل «المونتاج» (أحمد حمدي) بقطعاته السريعة، و{الموسيقى» (نادر حمدي) والديكور والأزياء (إسلام يوسف) فضلاً عن «التصوير والإضاءة» (كريم أشرف)، خصوصاً في مشاهد سيناء، واستثمار طبيعتها الساحرة، من جبال ووديان، في إضفاء لمسة رومانسية على الأحداث، وتصفية الأجواء بين «يوسف» و{أمينة»، وارتياح الشيطان لنجاح مساعيه! «اطلعولي بره» تجربة مغايرة للمخرج وائل إحسان، الذي قدم سابقاً أفلام: «اللمبي، والباشا تلميذ، ومطب صناعي، ورمضان مبروك، وحلم العمر، وعندليب الدقي». لكن السيناريو خصم من رصيد التجربة، التي لم يكن ثمة داع لأن تنتهي بزواج «يوسف» و{أمينة»، والعظة الأخلاقية، التي تنتصر للخير، بعد تخلص البطل من الشيطان، والتحصن بالبسطاء، وحب الناس الغلابة. كذلك التوجه الديني في التجاء البطل إلى الصلاة، وظهور لقطات للمساجد، والمباشرة في الاستعانة بالآية القرآنية ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ على غرار أفلام السيناريست محمود أبو زيد، التي كانت تنتهي بآية قرآنية، لتلخص رسالة الفيلم، في اعتراف واضح بالفشل في توصيل ما أراده الفيلم، عبر عناصره الفنية، وهو ما تكرر في «اطلعولي بره»، الذي امتلأ بعبارات إنشائية جوفاء تدعو إلى ضرورة المقاومة، وتحمل المسؤولية، والبحث عن الحلم، ومواجهة الصراع في داخلك بأن تكون أقوى مما يمكن أن تتخيل، وبقية الرسائل الوعظية التي تصلح لأن تكون موضوعاً لخطبة يوم الجمعة، وليس محوراً لفيلم سينمائي أدواته الصورة والحوار والأداء!