لا شك في أن فيلم On Body and Soul الحائز جائزة الدب الذهبي، المرشح لأربع جوائز سينمائية أوروبية (نالت نجمته ألكسندرا بوربيلي جائزة أفضل ممثلة رئيسة)، والمدرَج بين الأفلام الخمسة الأجنبية المرشحة لجائزة أوسكار، يشكّل العمل الرومانسي الأكثر استثناء الذي عُرض منذ زمن والذي يوسّع آفاق التفكير بهدوء.على غرار أفضل الأحلام التي تبدو مألوفة إلا أنها مختلفة على نحو عجيب، يخلط On Body and Soul بمهارة الابتكارات السينمائية المعروفة مع أفكار استثنائية من بنات أفكار معدة هذا العمل وحدها.
كتبت الفيلم وأخرجته إلديكو إنيدي، التي قدّمت لنا عام 1989 فيلمها الأولى الذي لا يُنسى My Twentieth Century، والذي حاز جائزة الكاميرا الذهبية في «كان». لكنّ أعمالها التالية لم تحقق نجاحاً دولياً، حتى إن 18 سنة تفصل بين فيلمها الدرامي الأخير وهذا العمل.لكن ما سهّل عودة هذه المخرجة إلى إنتاج الأفلام السينمائية فكرة مذهلة ببساطتها، تخلط بتميّز الساحر والعادي بطريقة وحدها الأفلام تفيها حقها.
ساحر
نستمتع أولاً بالساحر بما أن On Body and Soul لا يبدأ بتصوير الشخصيات بل بسلسلة خلابة التقطها بإبداع المصوّر السينمائي مايت هيرباي. يقف ظبي مهيب وظبية مميزة وحدهما في مشهد شتوي خلاب يكسوه الثلج وتنتشر فيه الأشجار العارية، يقفان معهاً وجسماهما متلاصقان، فيبدوان أقرب إلى البشر بتواصلهما الواضح هذا.عندما ننتقل إلى العالم الحقيقي، يبدو موقع القصة الرئيس، مسلخ في مدينة كبيرة، باهتاً وعادياً بالمقارنة. تنظر إلينا الأبقار، التي سرعان ما تنهي حياتها بطريقة وحشية، كما نكتشف، بعينين قلقتين راجيتين، كما لو أنها تدرك ما ينتظرها.في الطابق الثاني، يقف أندري (جيزا موركسانيي)، وهو رجل نحيل ملتحٍ يعاني ضعفاً في إحدى ذراعيه، متأملاً ما يحدث في المسلخ بعينين جامدتين. أندري مدير المسلخ والمسؤول عن تنظيم هذه المجزرة.في هذا اليوم تحديداً، يتأمل أندري وجهاً لم يألفه، محاولاً تحديد هوية تلك المرأة الخجولة المترددة. ماريا (بوربيلي) ليست موظفة، بل محققة الجودة الجديدة التابعة للحكومة. ماريا امرأة دقيقة جداً يبدو أنها تتمتع بقدرة مميزة على تحديد محتوى الدهون على جوانب لحم البقر.نلاحظ نوعاً من الانجذاب بين الاثنين، إلا أنهما منغلقان على نفسيهما ويتعاطيان مع أحدهما الآخر بتهذيب مبالغ. وبما أنهما يفتقران إلى أية مهارات اجتماعية أو براعة في الدردشة، لا تتطور علاقتهما مع انسحاب كل من ماريا وأندري إلى حياته الفردية المنفصلة. إلا أن هذا الوضع يتبدّل عندما يلعب القدر لعبته.تؤدي سرقة مسحوق تزاوج الحيوانات من بين كل الأشياء في المذبح إلى خضوع جميع موظفي المسلخ لتحقيق تسألهم خلاله عالمة نفس استقصائية تلقائياً عن أحلامهم.وهكذا يكتشف أندري وماريا أنهما يريان الحلم ذاته كل ليلة. فيتشاطران صور الظبي والظبية ذاتها التي نشاهدها في مستهل الفيلم والتي نراها دورياً بعد هذه المرحلة.كما نتوقع، يُذهل هذا الاكتشاف أندري وماريا على حد سواء، لأنهما يجهلان السبيل إلى المضي قدماً، مع أنهما يأبيان تجاهل هذه المسألة وتناسيها.تؤدي القرارات التي يتخذانها ومدى حساسية هذه المسألة إلى تفاقم التوتر بينهما، ما يقدم دليلاً حياً على عمق تأثير الأحلام فينا، شئنا أو أبينا.بساطة وهدوء
رغم غيابها عن الأفلام السينمائية (تعمل أخيراً على النسخة الهنغارية من مسلسلة In Treatment على شبكة HBO)، تبدو المخرجة إنيدي مسيطرة تماماً على هذا الوسيط. ويشكّل عملها البطيء الهادئ نموذجاً لاجتماع بناء النص المتقن والمخيلة الاستثنائية.وفي هذا العمل المميز، تحظى إنيدي بمساعدة كبيرة من ممثليها. فكما يخلط On Body and Soul الحلم بالواقع، كذلك يجمع الممثلان الرئيسان بين الأسلوبين المحترف والهاوي بدون أي فواصل.تتمتع بوربيلي، التي حازت جائزة الفيلم الأوروبي، بمقدرات احترافية عالية. نجحت في ابتكارها ماريا بطريقة مقنعة جداً، مقدّمة شخصية واقعية حقاً بجرأتها وحدودها على حد سواء.وإلى جانبها في أداء لا يقل تميّزاً يقف موركسانيي الذي يُعتبر في الواقع أحد أبرز الناشرين في هنغاريا، وقد عمل مع أناس أمثال إيمري كيرتيس. تذكر المخرجة: «دفعني مظهره الجسدي إلى التفكير في كلنت إيستوود في Gran Torino». ولا شك في أن هذه المقارنة ملائمة. ولا ننسى بالتأكيد العمل المذهل الذي يقدمه الظبيان. احتاج ذلك الظبي البهي إلى أشهر من التدريب. تخبر هذه المخرجة: «صوّرنا الظبي بالطريقة عينها التي صورنا بها الممثلين البشر»، حسبما أفادت Hollywood Reporter.عمل مذهل
بالنسبة إلى محبي التجارب المسرحية، يبقى الخبر المحزن الوحيد أن On Body and Soul لا يتوافر في لوس أنجلس إلا على شبكة Netflix. وهذه أول مرة، حسبما أذكر، لا يحظى فيها فيلم بلغة أجنبية بهذه الجودة بتاريخ عرض في دور السينما، ولو حتى رمزياً.لكننا فرحون في نهاية المطاف بأن نحظى بعمل مذهل لا يُنسى بغض النظر عن مكان عرضه.