علمتني والدتي- رحمها الله- أن الشيء الذي يطفو على سطح البحر يكون فاسداً، فالسمك إذا فسد يطفو ويظهر للملأ، وهذا ذكرني بظاهرة غريبة باتت الشغل الشاغل لكثير من الناس، فمع انتشار الشبكات الاجتماعية طفت على السطح ظاهرة سميت "الفاشينيستا".جرى العرف على أن الفاشينيستا هو شخص خبير بالموضة يقوم بتصميم صيحات عادة ما تكون مختلفة عن العموم من خلال وضع لمساته المميزة، ليكون مميزاً بمظهره دوماً، وتعتبر الفاشينيستا أسلوب حياة لا وظيفة أو مهنة، لكن ما نشاهده اليوم أعتقد أنه مغاير جدا للمصطلح المتعارف عليه، وكذلك مغاير للسلوك المتداول في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، حيث جعلت من الشخص العادي إنسانا رخيصا يبيع حياته الشخصية بما فيها من خصوصية وحيثيات دقيقة لا تقال إلى شركات تسويقية، توهمه بأنه شخصية مؤثرة وذات نفوذ ليعيش بهالة ملك وبريق زائف تستخدمه كسلعة لمدة معينة وبأجر محدد وبعدها تستبدله بغيره، بشرط أن يرضخ لشروطها ويقول ما يرضيها.
فقد يسلك "الفاشينيستا" سلوكا مغايرا لما اعتاد عليه، ويظهر بمظهر لا يروق له، لكنه مجبر أن يرضخ لشروط الشركة التي سمح لها أن تشتري كيانه وتخط مساره في الحياة. وبما أن ضحايا الشركات معظمهم من الفئة الجاهلة والمجوفة ثقافيا وفكريا فإن الشهرة تسحرهم وتغويهم ليتنازلوا عن إنسانيتهم من أجل بضعة دراهم، لكنهم لا يدركون أنهم باعوا شعوبهم ومستقبل أوطانهم من خلال نشر سلوكيات غريبة وشائنة في مجتمعاتنا، فمثلا تصوير الخصوصيات بشكل فاحش يقتل الحشمة، وخصوصا لدى الفتيات والتحدث بلهجة أكثر جرأة، وبمصطلحات خارجة عن تربيتنا، وسفر المراهقات من دون الأهل ومصاحبة الشباب للشابات، ناهيك عن تجرُّئهم على قوانين الدولة، وأشياء أخرى تجرد الشاب من القيم والمبادئ، لتصبح هذه السلوكيات عادة متأصلة في شخصيته. وللأسف قد يؤثر ذلك في فئة كبيرة من الشباب المحتاجين للقيم والمبادئ، ولأنهم لم يجدوا من يسعفهم بذلك سواء من البيت أو المجتمع، فإن الفضول يأخذهم شيئا فشيئا لمتابعة مشاهير الشبكات الاجتماعية (الفاشينيستا) لتصبح سلوكياتهم عادة لهؤلاء الشباب، وبعدها ممارسات تصقل شخصيتهم وتبني لهم طموحاتهم العرجاء.فأين دور مؤسسات الدولة لكبح موجة الفساد الأخلاقي، وردع أصحاب النفوس الضعيفة، وملاحقة الشركات التي تحرك الفاشينيستا كدمى خشبية؟ أين دور أصحاب الغيرة والنفوس الراقية التي لا ترضى أن تباع الأوطان وتقتل مبادئ وقيم قد جعلتنا نقود العالم في العصور الماضية؟ فظاهرة الفاشينيستا تستحق الاستنفار والنهوض لإعادة شعب وإعادة مجد تأصل فينا واليوم قد رحل.* عضو هيئة تدريس في جامعة الكويت
مقالات - اضافات
«الفاشينيستات» عملاء بالباطن
17-02-2018