رغم اختتام مؤتمر الكويت الدولي لإعمار العراق أعماله، الأربعاء الماضي، فإن الأوساط السياسية والشعبية بالعراق مازالت تناقش مخرجاته بلهجة متصاعدة ومتباينة، إذ تنهمك نخب ووسائل إعلام ومواطنون عاديون في محاولة فهم رسائل هذا التجمع، رغم انشغال العراقيين حالياً بالجفاف المفاجئ والنادر لنهر دجلة، ثم عودة المياه إليه، وبدء إعلان أسماء المرشحين للانتخابات البرلمانية، وما سيتلو ذلك من نقاش حول الشخصيات المثيرة للجدل، وإجراءات منع الترشح للمتهمين بالولاء لحزب البعث المحظور.ولعل الصوت الطاغي بوسائل الإعلام، فيما يتصل بحجم المنح المالية التي حصل عليها العراق في مؤتمر الكويت، والقروض والائتمانات التي قدمها المشاركون، بإجمالي ٣٠ مليار دولار، هو صوت القوى المقربة لإيران، حيث وجدت في سجال المال والقروض فرصة لكيل اتهامات عديدة لحكومة حيدر العبادي، التي تحاول خلق توازن في علاقتها مع طهران والعواصم العربية، بعد سنوات من نفوذ كبير للجمهورية الإسلامية في ملفات عديدة، لاسيما خلال حكومة نوري المالكي السابقة.
ويحاول هؤلاء استغلال الأمر انتخابياً، متهمين العبادي بالفشل في إقناع العالم بدعم العراق، لحرمانه من اعتبار ما حصل من تجمع دولي حاشد نقطة إضافية لإنجازاته في الحرب، والتي يستند إليها بشكل أساسي في حملته الانتخابية.لكن الأجنحة المعتدلة في العراق وأوساط الخبراء المحليين نجحوا في التنبيه إلى مجموعة نقاط تجعل من المؤتمر خطوة دولية فاصلة لمساعدة بغداد، بغض النظر عن حجم التعهدات المالية والاستثمارية المطروحة.ويرى بعضهم أن حجم التعهدات، الذي بقي أقل من طموحات بغداد، هو نوع من الضغط المتوقع، وربما الضروري، على العراق، ليدفع عجلة إصلاحاته السياسية، التي لا تقل أهمية عن أي عملية إعادة إعمار للمدن المدمرة، فجمود الحوار مع المجتمع السُّني، شمال البلاد وغربها، وتعثره مع الأكراد أمر يضر كثيراً الاستقرار، ويهدد بعودة التمرد في أي لحظة، وتبديد التضحيات الكبيرة والمساعدات، رغم أن العبادي يؤكد أنه سيفعِّل الأجواء التفاوضية بعد انتخابات مايو المقبل، مانحاً السُّنة والأكراد بعض الامتيازات، لإثبات حسن النوايا حتى ذلك الحين.ويضيف هذا الفريق من المحللين، أن ضغوط المجتمع الدولي ضرورية كذلك، لدفع بغداد إلى إصلاح عميق لنظامها الاقتصادي البدائي، وتطوير الرقابة على الفساد المستشري.كما أن الموقف الدولي المشجع للعراق يمكن، وفق هؤلاء، أن يدفع العراقيين إلى تخفيف حساسيتهم التاريخية من فكرة الاستثمارات الأجنبية، والأهم من ذلك أن التعهدات التي رافقت مؤتمر الكويت لعبت دوراً واضحاً في خلق مشاعر إيجابية تجاه الدورين العربي والدولي، وعززت رهاناً عراقياً على مستوى دخول الكويت والسعودية وتركيا، بشكل خاص، إلى سوق العراق كأطراف شريكة جغرافياً وثقافياً، وتمتلك تمويلاً وخبرة في قطاعات استراتيجية مهمة.ويقول هذا الفريق إن التركيز على هذه الرسائل المهمة ليس تقليلاً من شأن المكاسب المالية والاستثمارية لهذا المحفل الدولي، بل معناه أن على العراق الاستجابة لرغبة شركائه، وبناء المزيد من الثقة التي من شأنها دفع العالم إلى تقديم منح ومساعدات واستشارات إضافية وكبيرة لكل المسارات التي تتطلب ذلك.
أخبار الأولى
مؤتمر الكويت لدعم العراق... حساسية خارجية و«ضغوط ضرورية»
17-02-2018