قصيدة «الرعب»
![ناصر الظفيري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1497859964459581700/1497859964000/1280x960.jpg)
مهدي سلمان يبدأ النص بحالة من اللاوعي، هو الآن في غيبوبة يرى نفسه خارج واقعه المؤلم، ويسمع صرخته، التي لم يقدم لها سببا، ولا نعرف عنها سوى ما يفسره القارئ. يرى القارئ القريب سببا ربما لا يراه القارئ البعيد. في عالمنا العربي لا سبب آخر للصرخة سوى هذا الضغط النفسي الذي نبدأ منامنا فيه، ويبدأ في إيقاظ كوابيسنا المرعبة. في الصباح نحول صراخنا الشخصي إلى ألم ذاتي، ويحوله الشاعر إلى قصيدة رعب. رعب كما هو صراخ معتقل بريء، رعب كما هو صراخ مضطهد دون سبب واضح، رعب من أجل الرعب ليس إلا أحيانا. هذا الصوت الذي يخرج في صراخه لم يكن صوتا هوائيا، كعادة الأصوات التي نطلقها؛ خوفا أو رعبا، وهو ليس صوتا يريح صاحبه من عبء ثقيل يحمله طيلة اليوم. إنه أفعى! في حالات عادية يكون الصراخ تحت وطأة الكابوس صراخا مألوفا. يمكن تبريره تحت أي ضغوط يتعرض لها الإنسان، سواء بشكل فردي أو جمعي. أما هذا الصراخ، فهو صراخ مرعب يتجسَّد كأفعى، ويُقر الشاعر بأنه خاف منها. تبدأ حيرة النص عند هذا التحول، فهل يخشى من الصوت/ الأفعى أن يكون سببا في نهاية الشاعر وانقلاب الصوت عليه؟ أم أنه يخشى أن يقضي عليه وهو يكتمه، كي لا يسمعه أحد؟ قبل نهاية القصيدة سنكتشف أن الشاعر يخشى من صوته/الأفعى أن يكون سبيل هلاكه إذا نطق به. لن تختلف هذه الحالة عن الأخرى، فأنت قتيل صوتك إذا نطق، وقتيل صوتك إذا كتمته. السؤال الذي لا إجابة له هو: ماذا سأفعل كي أطمك؟ لا يجد القارئ الحل، ولن يجده الشاعر. هو الرعب الذي نقتسمه جميعا.أن يتحول فم الشاعر إلى جحر أفاعي صورة تبدو مغايرة للشاعر الذي اعتدنا عليه. الشاعر الذي كرَّس أغراض شعره للجمال والحب، لمديح السلطان، ووصف الربيع. الشاعر الذي كنا رسمنا صورته المألوفة دائما حين نسمع كلمة شعر. هو ليس الشاعر الذي أصبحت كلمته أفعى، وأصبح هو شخصيا مرعبا كقصيدته. والشاعر هنا هو ليس الشاعر الذي جسَّدته المدارس والمجالس، وشاركت فيه الروابط الأدبية واتحادات الأدباء في مهرجاناتها التي تدشنها السلطة سرا وعلنا. إنه رجل يشبه "رجل الرمل"، الذي يلقي بالرمل في عيون الأطفال كي يقتلعها، وعليه أن يفكر جديا بطم جحر الأفاعي. فالكلام هنا ليس هو الكلام الذي نعرف.