أفاد «الشال» بأنه على مدى أسبوعين تقريباً، أي ما بين 2 - 14 فبراير الجاري، سجلت أهم بورصات العالم وكل بورصات إقليم الخليج خسائر متفاوتة، بدأت كما هي عادة معظم أزمات العالم المالية بدأت الأخيرة من بورصة «نيويورك» عندما خسر مؤشر «داو جونز» نحو 1175 نقطة في يوم واحد، وكانت الأعلى في العدد المطلق للنقاط، لكنها ضئيلة ولم تتعد 4.6 في المئة إذا ما قورنت بأكبر هبوط نسبي والبالغ نحو 22.6 في المئة في 19 أكتوبر عام 1987.

والواقع أن «داو جونز» لم يكن أكبر الخاسرين حتى 14 فبراير الجاري ، قد انخفضت خسائره إلى 2.5 في المئة فقط، وكانت خسائر السوق الياباني هي الأعلى وبنحو - 9.1 في المئة ثم الصيني بخسائر بنحو - 7.6 في المئة، تلاهما سوقا فرنسا وألمانيا، أي إن الإصابة كانت أكبر في كل من آسيا وأوروبا، وذلك الهبوط في حدود المتوقع، ولكن توقيته جاء أبكر مما توقعنا، فأسعار الأسهم ارتفعت اصطناعياً فترة طويلة من الزمن، حتى إن أعلى قراءة لـ»داو جونز» بلغت نحو 26617 نقطة في 26 يناير 2018، بعد أن كانت قراءته في نهاية ديسمبر 2009 عند 10428 نقطة، أي تضاعفت 2.6 مرة، وحتى أعلى بنحو 2.3 مرة من قراءته البالغة 11544 نقطة في نهاية أغسطس 2008، أي قبل أزمة العالم المالية. وهو ارتفاع اصطناعي، لأن علاج أزمة 2008 فرض سياسات نقدية بالغة التوسع، قامت خلالها البنوك المركزية بطبع نقود وفيرة ورخيصة بفوائد قريبة من الصفر، استخدم الكثير منها لشراء أصول مسمومة، ووفرة تلك النقود الرخيصة، أدت إلى توجهها للمضاربة على أصول سائلة، أسهم، ودفعت أسعارها إلى الأعلى مما ساعد على تجاوز أزمات سيولة وملاءة لكثير من المؤسسات التي توسعت في أنشطتها إنقاذاً لاقتصادات حقيقية.

Ad

وفي آخر المعلومات الصادرة عن الاقتصاد الأميركي، الذي ربط بنكه المركزي في يوم ما بين رفع سعر الفائدة وهبوط معدلات البطالة، وكانت سابقة، تشير تلك المعلومات إلى أداء اقتصادي قوي، والأهم، بعمالة كاملة ببلوغ معدلات البطالة نحو 4 في المئة فقط.

ذلك كان إنذاراً بسخونة الاقتصاد وبدئه موجة تضخمية، وشبح التضخم عزز النوايا حول رفع أسعار الفائدة ثلاث مرات في العام الحالي على أقل تقدير، وربما لأكثر من ربع النقطة المئوية في إحداها على الأقل، لترتفع تكلفة الأموال من جانب، ولتنافس الأموال السائلة في عائدها الأصول الأخرى، وهو إجراء يؤدي عادة إلى تصحيح أسعار الأصول.

وكان «داو جونز» كسب نحو 32 في المئة في 13 شهراً ما بين نهاية ديسمبر 2016 ونهاية يناير 2018، وتلك مكاسب ضخمة لأكبر الأسواق المالية في العالم، ومبرراتها تجعلها غير مستدامة.

وفي تقديرنا، فإن ما حدث هو تصحيح مستحق وصحي، إن استمر ضمن تلك الحدود، والهبوط الآمن يتطلب ألا تصاب البورصات بالهلع، وأن تقبل بهبوط متدرج يراوح ما بين صعود وهبوط وينتهي بمحصلة سالبة لما تبقى من العام الحالي. وما لا يمكن تفسيره مالياً واقتصادياً بدقة، هو تبعية بورصات الإقليم للبورصات الرئيسية، فخلال تلك الفترة، حققت كل بورصات الإقليم خسائر متفاوتة، أكبرها لبورصات السعودية - 3.1 في المئة ثم سوق دبي بنحو - 2.5 في المئة، ثم سوق قطر بنحو - 1.6 في المئة، وذلك يفسر في جزء منه انكشاف تلك البورصات على الأموال الأجنبية الساخنة.

البورصات الأربع الأخرى سجلت خسائر محدودة، أعلاها لبورصة البحرين بنحو - 1.1 في المئة والثلاث الأخرى أدنى من الواحد في المئة.

ذلك الارتباط الطردي بين أداء بورصات العالم والإقليم لن يدوم في اعتقادنا، لأن معظم بورصات العالم حققت أداء قوياً عام 2017 خلافاً لمعظم بورصات إقليم الخليج باستثناء البحرين وإلى حد ما بورصة الكويت.

وعموماً، ونظراً إلى سلامة وضع الاقتصادات على مستوى العالم، وانخفاض معدلات التضخم حتى هذه اللحظة، لا نعتقد أن ما حدث لتلك البورصات سوف يتحول إلى أزمة، ونميل إلى ترجيح سيناريو الهبوط الآمن، وبمحصلة أداء سالبة لمعظمهما مع نهاية العام الحالي.