ما قــل ودل: أيام لها تاريخ في الانتخابات الرئاسية المصرية
في مؤتمر حاشد جمع الشباب ورجال الإعلام وأعضاء مجلس النواب وفئات من الشعب على اختلاف ألوانه وأطيافه ومذاهبه، تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي وبحضوره، وعلى مدى ثلاثة أيام تحت مسمى "حكاية وطن"، شرح فيه المسؤولون الإنجازات الكبيرة التي حققتها الفترة الرئاسية الأولى.وهي إنجازات كانت كافية لتحقق للرئيس فوزا سهلا على منافسيه، فمن الذي له إنجازات الرئيس لينافسه؟ وهو سؤال طرحه د. عبدالمنعم السعيد، رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام حول انتخابات الرئاسة عام 2005، في مقال له على صفحات الأهرام، عندما عدل دستور 1971 ليتيح التعددية السياسية في الانتخابات الرئاسية.ومن الذي تتوافر له كل هذه الإمكانات الهائلة التي للرئيس من خلال كل أجهزة الدولة لعقد مثل هذا المؤتمر في إحدى القاعات الرسمية؟ ليشرح فيه برنامجه الانتخابي، في ظل أحزاب ومنظمات مجتمع مدني، ليست لها قواعد شعبية راسخة قادرة على خوض أية انتخابات برلمانية أو رئاسية، وحيث تتحكم العائلات في الانتخابات الأولى لكنها لا تستطيع ذلك في الانتخابات الثانية.
الوفاء والعرفان بالجميل والرئيس السيسي هو الذي في لحظة فارقة أصدر أوامره للجيش عندما كان وزيرا للدفاع في رئاسة د. مرسى، ليحمي الملايين التي خرجت فى 30 يونيو لتصحح مسار ثورة 25 يناير التي حماها الجيش وعبرت عن رأي الشعب في حاكم لم يفِ بكل وعوده التي وعد بها الشعب، وحنث بكل عهوده في أن يكون رئيساً لكل المصريين، يوحد ولا يفرق، يحترم الدستور والقوانين، ويذود عن مصالح شعبه وعن أمواله وعن أرض مصر، التي استباحها الإرهابيون، يزرعون فيها الخوف والرعب، ويقتلون ضباط الجيش والشرطة لترويعهم، فساند الجيش في هذه اللحظة الفارقه ثورة التصحيح ليعيد غطاء الأمن والأمان الى هذا الشعب الأبي، وأعلن انحياز جيش مصر العظيم لمطالب الشعب وحمايته لثورته السلمية.استعدت هذه الكلمات التي تصدرت كتابي "الخطايا العشر في دستور العصر" وهو الدستور الذي وضعته جماعة الإخوان، والتي وردت في الإهداء الموجه إلى الفريق الأول عبدالفتاح السيسي قائد جيش مصر عرفانا بجميل طوق به الجيش العظيم أعناقنا جميعا، فالماضي غذاء الحاضر وعظة للمستقبل.محاسب أمام الله إلا أن كلمة الرئيس السيسي التي اختتم بها خطابه في المؤتمر الحاشد سالف الذكر كانت كفيلة بإقصاء اختياري لأي مرشح حقيقي في هذه الانتخابات، التي قال فيها الرئيس بأنه لن يسمح لفاسد أو مزور أو مرتش بأن يعتلي هذا الكرسي، ولو وافقتم لأنني محاسب أمام الله، مشيراً إلى الحاضرين.فقد فهمها بعض المرشحين بأنه لن يعترف بنتائج الانتخابات إن لم يتحقق له الفوز فيها، ولهم عذرهم في ذلك ولو كانت زلة لسان، فالمعركة الانتخابية الرئاسية هي المعركة باهظة التكلفة نفسيا وماديا وجسديا.وغني عن البيان أن لجنة الانتخابات الوطنية هي التي منحها قانون إنشائها الذي صدّق عليه الرئيس السيسي صاحبة الاختصاص الأصيل بالتحقق من استيفاء المرشحين لشروط الترشيح، وأولها ألا يكون قد صدر حكم نهائي بإدانة المرشح في جريمة مخلة بالشرف والأمانة.الرئيس هو الفائز وهو الخاسروأعتقد أن أول من أضير من إقصاء البعض من الانتخابات الرئاسية القادمة أو اختيار البعض الانسحاب منها بعد إعلان عزمه على الترشح لها أو العزوف عنها هو الرئيس عبدالفتاح السيسي ذاته، والشعب المصري بأكمله.ولا أقول هذا للاحتفاظ بالشكل الديمقراطي أمام العالم، ولكن لأنها كانت فرصة حقيقية لكل من الرئيس ولشعب مصر، فقد كان الرئيس بعد هذه السنوات الأربع في حاجة الى إعادة تقييم لإنجازات الفترة الرئاسية الأولى، من خلال التعرف على رأي طوائف وفئات الشعب المختلفة، التي ربما لم تصل أصواتها إليه، ولكنه سيتبينها من خلال أصوات الناخبين التي حصدها غيره من المرشحين في ظل منافسة حقيقية، ليكون رئيس مصر رئيسا لكل المصريين، حيث تجري في الدول الديمقراطية دراسات وتحليلات علمية للأرقام التي ذهبت إلى منافسي الرئيس، من خلال تحليل البرامج الانتخابية للمرشحين الذين فازوا بهذه الأصوات دون الرئيس، والتي من شأنها أن تعدل مسار الحكم في فترة الرئاسة التالية أو تصححه أو تضيف إليه او تحذف منه، فهناك بعض الآراء التي تقول إن ثورة 25 يناير لم تحقق أهدافها في الحرية وفي تحقيق العدالة الاجتماعية. وإن ما كان ينادي به د. عبدالمنعم سعيد في ظل نظام مبارك وهو المنظّر الاقتصادي لهذا النظام بأن العدالة الاجتماعية تتحقق من خلال الاستثمار ثم الاستثمار ثم الاستثمار، وأن هذه الفلسفة لا تزال هي السائدة حتى الآن، وإن أضيف إليها مدرسة جديدة، وهي مدرسة الشمول المالي، باعتباره في زعم هذه المدرسة الأداة لتحقيق العدالة الاجتماعية، وهو الشمول المالي الذي يدعو الأفراد إلى الاقتراض من البنوك لعمل مشروعات صغيرة، مع ضخامة الفائدة على هذه القروض، وهي وظيفة اجتماعية لا تجارية، كان يقوم بها بنك ناصر الاجتماعي بفوائد بسيطة منذ أيام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وكان الأولى إصلاح وتطوير البنك وتدعيم الدولة له، ليحل محل البنوك التجارية بالنسبة لهذه المشروعات، حتى تؤتي عائدها الاجتماعي المنشود.كما ضاعت على الشعب فرصة ممارسة العملية الديمقراطية في تداول السلطة، لتنمية الوعي السياسي والثقافتين الديمقراطية والانتخابية، لتحول ديمقراطي مطلوب دون إبطـاء بعد سنوات عجاف من الحياة الديمقراطية منذ 23 يوليو 1952 والتي يدفع الشعب ثمنها حتى الآن.وقد ناشدت الرئيس عبدالفتاح السيسي في مقالين نشرا على هذه الصفحة في عددي الجريدة الصادرين في 16 و23 مارس 2014، أن ينجح فيما أخفق فيه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في تحقيق الديمقراطية بالرغم من إنجازاته الهائلة التي لم تجد من المؤسسات الدستورية الغائبة من يحافظ عليها لغياب الديمقراطية.وكنت قد ضمنت كتابي المذكور صفحات عن فترة حكم الإخوان، قلت فيها عن الوازع الديني وعن التفويض الإلهي وعن البيعة ما أردت أن أذكر به في هذا المقال في المرحلة الصعبة التي تمر بها مصر الآن في بيعة جديدة لا تختلف عن كل انتخابات رئاسية سابقة في المضمون والمحتوى. وذلك فيما يلي:الوازع الدينيحيث قلت في (ص 29) إنه ولئن كان الوازع الديني مطلوباً، إلا أنه ليس كافياً، وأن المطلوب لمواجهة تحديات العولمة التي تفرض ضغوطا كبيرة على الدول النامية لمصلحة الشركات المتعددة الجنسيات، التي تلتهم أقوات الشعوب الفقيرة والضعيفة، المطلوب رؤية أكثر عمقاً وأكثر خبرة بكثير من هذه الرؤية المبسطة، التي كان الوازع الديني في عصر النبوة وفي صدر الإسلام، يتماشى مع بساطة الحياة خلال هذه الفترة.التفويض الإلهيوقلت في صفحتي 17 و18 من الكتاب إنه في النظم الديمقراطية لم يعد الحاكم مفوضا من الله على الأرض، بعد أن ثارت الشعوب في بدء العصور الوسطى المتأخرة على سلطة الملوك وعلى سلطة الكنيسة التي أصبحت تطغى على سلطة الملوك، الذين مارسوا سلطاتهم بعنف وقسوة بعد تحررهم من طغيان الكنيسة، فانتشرت الدكتاتوريات في إسبانيا وفرنسا وإنكلترا وهولندا وفي المدن الإيطالية التي كان بعضها يتبع النظام الملكي.ويطل علينا الحق الإلهى للملوك، تحت عباءة المشروع الإسلامي، في الدعوة إلى قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، لكل من يخرج على طاعة الحاكم، وهي الدعوة التي أطلقها د. محمود شعبان أحد قيادات التيار الإسلامي في إحدى الفضائيات وقتئذ.ويسجل تاريخ أنظمة الحكم في الإسلام ما رُوي عن أبي جعفر المنصور أنه قال: "يا أيها الناس إنما أنا سلطان الله في أرضه أسوسكم بتوفيقه وتسديده وتأييده وحارسه على ماله أعمل فيه بمشيئته وإرادته وأعطيه بإذنه، فقد جعلني الله عليه قفلاً إن شاء الله أن يفتحني فتحني لإعطائكم، وقسم أرزاقكم، وإن شاء أن يقفلني عليها قفلني".البيعة على السمع والطاعةويشبه الأستاذ محمد عبدالمقصود د. محمد مرسي، بالرسول (صلى الله عليه وسلم)، يوم الحشد الذي حشده الفصيل الحاكم في 21 /6/ 2013 في رابعة العدوية بمدينة نصر، فيقول لهم عندما طالب الرسول المسلمين بالبيعة سألوه نبايعك على ماذا؟ رد عليهم الرسول تبايعونني على السمع والطاعة.ويخطب المهندس عاصم عبدالماجد عضو مجلس شورى الجماعة في الحشد سالف الذكر والذي حمل شعار "لا للعنف"، فيعلن أنه يرى، رأي الحجاج، رؤوسا قد أينعت وحان قطافها وإني لقاطفها بإذن الله.ويبدو أنه لم يقرأ التاريخ جيدا، فقد رُوي عن الخليفة عمر بن عبدالعزيز، رضي الله عنه، أنه قال: "لو جاءت كل أمة بخطاياها يوم القيامة، وجئنا نحن بالحجاج وحده لرجحناها جميعاً".أيام لها تاريخ في الانتخابات الرئاسية لن تمحى من ذاكرة هذه الأمة.