فلتُطوَ صفحة قضية «دخول المجلس»
لم يتضح، وقت كتابة هذا المقال، حكم محكمة التمييز في قضية دخول مبنى مجلس الأمة وإن كانت ثمة دلائل قوية، أهمها مذكرة نيابة التمييز، تشير إلى أنه من المرجح أن تقوم المحكمة بوقف نفاذ الحكم وإخلاء سبيل المحكومين إلى حين صدور الحكم. وبعيداً عن حكم محكمة التمييز فإن القضية، مثلما ذكرنا في مقالات سابقة، هي قضية سياسية حيث لا يمكن إخراجها من سياقها وظروفها وملابساتها السياسية التي يعرفها الجميع ومن المفترض أن تُعالج سياسياً لا جنائياً. إنه من الظُّلم أن يُسجَن الشباب الذين كانوا يطالبون بالإصلاح السياسي، والنواب السابقون الذين يطالبون بالمحافظة على المال العام، ومكافحة الفساد السياسي، حيث فضحوا وبالدليل الدامغ وجود رشا سياسية أكدها أيضاً الخبر الذي نشرته صحيفة "القبس" على صدر صفحتها الأولى وبالخط العريض عندما أشار إلى تضخم الحسابات المصرفية لبعض أعضاء المجلس، آنذاك، وهو الأمر الذي أثار الرأي العام وهيّج الساحة السياسية وأغضب الشباب، فشاركوا بندوة سياسية في "ساحة الإرادة"، ثم شاءت المصادفات وظروف أحداث تلك الليلة وملابساتها أن تدخل، من دون قصد جنائي، أعداد كبيرة من الجمهور (يتعدى العدد، كما هو واضح في الصور الفوتوغرافية و"اليوتيوب"، السبعين شخصاً المحكومين في القضية والأضرار المادية محددوة للغاية)، مبنى مجلس الأمة لساعة تقريباً، وذلك برفقة النواب بعد أن فتح حراس المجلس الأبواب للنواب الذين لا يمنعهم القانون ولائحة المجلس من دخول المبنى في أي وقت يشاؤون.
المعادلة مقلوبة، إذ يُسجن الذين كانوا يطالبون بمحاسبة المتورطين في الرشا السياسية (الإيداعات والتحويلات المليونية)، في حين لا يطول القانون المسؤول الحكومي الراشي وأعضاء مجلس الأمة المرتشين أو ما يسمون إعلامياً "القبيّضة" على الرغم من تضخم حساباتهم البنكية باعتراف البنوك ذاتها، بل إن بعضهم يتبوءون في الوقت الحالي مناصب عامة لها علاقة بتشريع القوانين ومراقبة أداء الحكومة، وتحتل تصريحاتهم وأخبارهم "مانشيتات" القنوات الفضائية، والصفحات الأولى في الصحف اليومية، ووصل الأمر إلى أن بعضهم يتهكم علناً على من كشفوا، في وقت سابق، تلقيهم للرشا السياسية وطالبوا بمحاكمتهم، ولسان حالهم يقول "نعم استلمنا رشوة سياسية، وأنتم من سيدخل السجن"! القضية سياسية ولا يفترض أن تنشغل بها المحاكم، وينبغي أن تُطوى صفحتها على وجه السرعة لأنها تسحب من رصيد ثقة عامة الناس بالدولة والمنظومة السياسية، وتضعف شعورهم بالعدالة العمياء بعد أن أصبح الفاسدون طلقاء في حين يوضع من كشفهم وطالب بمحاكمتهم في السجن، علاوة على تبعات القضية سياسياً واجتماعياً، وإشغال الرأي العام في خلافات جانبية تُلهي الناس عن مواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي تُكرر الحكومة ضرورة الاستعداد الشعبي لها ومواجهتها.