أخبار الحرب تهب على إسرائيل من كل حدب وصوب
يبدو الجو هادئاً على نحو غريب خارج الممر المسيج الذي يخترق تلك الأرض المحايدة التي تفصل إسرائيل عن غزة، ولكن يزداد الكلام عن الحرب على جانبَي هذا الممر وفي مختلف أنحاء إسرائيل. يذكر داود شهاب من حركة الجهاد الإسلامي الفسلطينية، التي تطلق الصواريخ على إسرائيل: "نواجه كل يوم اعتداءات وأعمالاً إرهابية تنفذها إسرائيل. قد ينفجر الوضع في أي لحظة"، ويعتقد بعض القادة في غزة أن إسرائيل ستستخدم التدريبات العسكرية المقبلة مع الولايات المتحدة كغطاء لشن هجوم، ويعتبرون أن الحرب مرجحة بنسبة 95%. لكن إسرائيل تنظر إلى المسائل من منظار مختلف، فقد أخبر غادي أيزنكوت، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الحكومة أن حركة حماس قد تشن حرباً إذا لم تتحسن الحياة في هذا القطاع الساحلي. تواجه غزة حصار إسرائيل ومصر منذ أكثر من عقد من الزمن، وتفاقم التوتر فيها بعدما اعترف الرئيس الأميركي ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل في السادس من ديسمبر، وردت قوات الدفاع الإسرائيلية على الصواريخ التي أُطلقت من غزة بغارات جوية.يكثر الكلام أيضاً عن صراع وشيك على حدود إسرائيل الشمالية، ففي 28 يناير كتب المتحدث باسم قوات الدفاع الإسرائيلية رونين مانليس مقالاً افتتاحياً حذّر فيه لبنان من عدم السماح لإيران بإنتاج صواريخ توجَّه بدقة في البلد، كذلك استهدفت إسرائيل مراراً مواكب الأسلحة الإيرانية المتوجهة إلى لبنان، وتنفّذ قوات الدفاع الإسرائيلية أيضاً تدريبات على الجبهة الشمالية، وذكر الجنرال مانليس: "كما برهنا في السنوات الأخيرة، خطوطنا الحمراء الأمنية مرسومة بوضوح، أما الخيار فلك يا شعب لبنان".
تعارض الحكومة اللبنانية خطط إسرائيل لبناء سور على طول الحدود، مشيرةً إلى أنه سيقتحم الأراضي اللبنانية، وتؤكد أنها ستتابع هذه المسألة في المنتديات الدولية، لكن بعض التقارير ذكرت أن حزب الله هدد باستهداف الجنود الإسرائيليين على الحدود، وسيدفع لبنان بأكمله الثمن، إذا خاض حزب الله حرباً ضد إسرائيل، حسبما حذّر وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان.علاوة على ذلك، تهب الرياح على تل أبو الندى في مرتفعات الجولان حاملةً معها كلاماً إضافياً عن الحرب، ويطل الجنود الإسرائيليون على سورية، حيث باتت قوات الأسد على بعد بلدة واحدة عن الثوار في مدينة القنيطرة القديمة. صحيح أن الجيش السوري لا يشكّل مصدر تهديد بعدما استنفدته سبع سنوات من القتال، غير أن إسرائيل قلقة من أن تعمل القوى التي دعمت نظام الأسد على إقامة معاقل لها في سورية، لذلك أمرت حزب الله وإيران بالبقاء خارج المنطقة، وفي السادس من فبراير قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بجولة في تلة أبو الندى، محذراً أعداء إسرائيل: "لا تمتحنونا". رغم كل هذه التهديدات، لا يبدو أحد متحمساً لبدء القتال. خاضت إسرائيل وحماس ثلاث حروب منذ سيطرة هذه الحركة على غزة في عام 2006، وبغية تفادي حرب رابعة يُقال إن أيزنكوت طلب من الحكومة بذل جهد أكبر للتخفيف من المعاناة في غزة.ربما تستغل حماس الكلام عن الحرب لتجذب الانتباه إلى مأساة غزة، فنتيجة الحصار والعقوبات التي تفرضها السلطة الفلسطينية التي تدير الضفة الغربية، يعاني هذا القطاع نقصاً في الكهرباء، وماء الشرب، والغذاء، وكان من المفترض أن تؤدي صفقة بين حماس والسلطة الفلسطينية إلى تسليم إدارة غزة إلى السلطة الفلسطينية، التي سترفع بدورها العقوبات، لكن المسؤولين في غزة يؤكدون أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يماطل.أما في الشمال، فيرغب حزب الله على الأرجح في إعادة تجميع صفوفه بعد نحو سبع سنوات من القتال في سورية، إذ تعرّض لبنان لضرر كبير خلال حرب هذا الحزب السابقة مع إسرائيل في عام 2006، حتى إن قادته أسفوا لاستفزازها. ولا يبدو حزب الله مستعداً اليوم لصراع آخر، مع أنه يعزز ترسانته من الصواريخ الموجَّهة، ونتيجة لذلك قد تشعر قوات الدفاع الإسرائيلية أنها مرغمة على وقف عملية بناء هذه الترسانة. بالإضافة إلى ذلك يبدو الأسد أكثر اهتماماً بتدعيم مكانته في الداخل لا شن حرب جديدة، كذلك يضغط الشعب الإيراني على النظام في طهران لإنهاء مغامراته في الخارج، وتؤكد إسرائيل أنها ستضرب قواعد إيرانية إذا حاولت إيران ترسيخ وجودها في سورية. ولكن مع وقوف الجميع على شفير الهاوية، لا يتطلب اندلاع الصراع جهداً كبيراً، ويكفي توجيه صاروخ من غزة، شن إسرائيل غارة جوية، أو إطلاق حزب الله رصاصة لإشعال فتيل حرب جديدة. ذكر بسمارك في توقعه الشهير: "من الممكن لأي تصرف غبي في البلقان" أن يشعل حرباً أوروبية (وتبينت صحة توقعه في عام 2014). أما في الشرق الأوسط، فقد يشعل أي تصرف غبي على الحدود الحرب.