في Have a Nice Day، الفيلم السينمائي الثاني المتقن والحاد للكاتب والمخرج الصيني ليو جيان (Piercing I)، يُطلق عمل سرقة متهور دوامة من الفوضى المضبوطة، التي لا يسبب تأثيرها العنيف أي خلل في الخطوة الواضحة والحادة والتراكيب الساكنة لصور ليو المرسومة بدقة.يخدم هذا الضبط البصري (يكون أحياناً خيط الدخان المتصاعد أو لافتة النيون الوامضة مصدر الحركة الوحيد) هدف الفيلم: لا شيء في هذا المكان سيتبدل أو يتحسن. وتُحدَّد حياة أفراد العصابات الوضيعة ومصيرهم البائس عموماً منذ المشهد الأول. لذلك تخال أن ليو يريد القول إن هذا ما يحدث عموماً عندما يصطدم واقع الحرمان الاقتصادي المرير بوعد الازدهار البعيد المنال في مجتمع مادي إلى أبعد الحدود.
تبدد مقاربة المخرج الخالية من المشاعر أي سرور أو مفاجأة قد نستمدها من المغامرات الإجرامية الحماسية التي تُعرض. في بلدة صينية جنوبية لا يُذكر اسمها، يسرق عامل بناء يُدعى كسياو زانغ (صوت زو تشانغلونغ) حقيبة غنائم من زعيم العصابات المحلي «العم ليو» (يانغ سيمينغ) كي يدفع تكاليف خضوع صديقته لجراحة تجميل ثانية بعدما فشلت جراحتها الأولى. يستاء العم ليو من هذه الحادثة، خصوصاً بسبب العطلة التي تسببها له: نتعرف إليه في البداية وهو يشرف على عملية ضرب صديق له ضرباً مبرحاً، فيما يروح يتذكّر مطولاً مآسي الطفولة التي خاضاها معاً.يوقف العم ليو عملية التعذيب هذه لبعض الوقت كي يوكل إلى جزار تحوّل إلى قاتل مأجور يُدعى سكيني (ما كسياوفينغ) مهمة ملاحقة كسياو. وهكذا تنطلق عملية مطاردة تنتقل من مقهى إنترنت متداعٍ إلى غرفة نزل وضيع. خلال هذه المغامرة، يقع المال بسرعة وإن بشكل مؤقت بيد يالو أيز (كاو كو) الذي يتوق إلى تحقيق حلمه الأحب إلى قلبه بتحوّله إلى مخترع. ولكن لا مكان لهذا الحلم في هذه الرؤية المصيرية القاتمة. فالأحلام في هذا العالم لا تتحقق في أفضل الأحوال، وتقود الحالمين إلى مصير كارثي في أسوئها.
مشاهد غريبة
في مجموعة المشاهد الأكثر غرابة وقسوة، تتوق امرأة (زو هونغ) إلى الهرب إلى منتجع يُدعى شانغري-لا. تتجسد رؤيتها عن الجنة هذه من خلال مجموعة من أغاني الكاراوكي التي تتخللها صور شيوعية تقليدية. تشكّل هذه المشاهد مذكراً قاسياً بمدى تأثر طموحات هذه الشخصيات وأحلامها بمحيطها. وتبدو ألوانها المشرقة غير المتقنة مناقضة تماماً للواقع السوداوي الذي يشكّل بصمت ليو الجمالية.لا داعي لأن نشير إلى مدى ملاءمة قصة Have a Nice Day لعصرنا هذا وتركيبة ما يهدف إليه. يُستهل هذا العمل باقتباس مطوّل من رواية «البعث» لتولستوي يشير إلى رابط بارز بين الفساد الاجتماعي في روسيا قبل الثورة وبين الفساد الأخلاقي للرأسمالية العالمية في القرن الحادي والعشرين. صحيح أن ذكر بيل غيتس، ومارك زوكربيرغ، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي العابر، فضلاً عن صوت ترامب الذي يصدح من مذياع السيارة، يحدِّد إطار القصة الزمني المعاصر، إلا أن شخصيات الفيلم المثقفة الكثيرة الكلام تتحدث أيضاً عن نمط الرسم الفوفي والفلسفة البوذية.الانحطاط المدني
يقدّم ليوجيان لك الكثير لتستمع إليه، ولكن لا تنسَ أن تنظر: فضلاً عن حبكة التشويق المألوفة والحشو البراق، يتضمّن هذا العمل رؤية غنية بتركيبتها تتناول الانحطاط المدني وتنغرس في الذهن. من هذه اللقطات التصويرية الجامدة التي تظهر فيها الشوارع الوسخة والأبنية المكسوة بالكتابات، ينبع إحساس مخيف باليأس يدفع المشاهد نفسه إلى اليأس. ربما رأيت سابقاً بعضاً من أسوأ ما قد تقدّمه البشرية، إلا أنك مع هذا العمل تشاهده من خلال رؤية جديدة مميزة، وواضحة، وحديثة لفنان موهوب.