كأن ما ينقصنا اليوم هو المزيد من القمع وتكميم الأفواه، وكأن قوانين أمن الدولة بعباراتها الواسعة الفضفاضة التي تبتلع كل ذرة لحرية التعبير ليست كافية، وكأن قوانين المطبوعات والنشر والمدونات بكل نصوصها العقابية وغيرها لم تكفِ حكومة "الشفافية"، فقدمت مشروع قانون يخول القضاء سلطة الحكم بالسجن والغرامة على "المشككين في العمل الخيري"، وكأنها توحي بأن العمل الخيري أضحى محصناً (بتعبير الزميل عبداللطيف الدعيج)، بسيادة كاملة مشتقة من سيادة الدولة، ولا يجوز المساس بها، أو حتى نقدها، فالنقد هنا في ثقافة السلطة يدخل في باب التشكيك، وكأنه جريمة أمن دولة!بهذا التصور تطرح الحكومة تصورها القمعي "لتنظيم العمل الخيري"، ولبست جلباب الورع والتقوى والغيرة الإسلامية على العمل الخيري، حتى تغلق باب الاحتمال لأي اعتراض متصور من القائمين على العمل الخيري، فتعيد ترديد شعارها البائس "لا أحد يزايد علينا" في الدين وفي عمل الخير.
بهذه الصورة المرائية تطرح الحكومة قانوناً جديداً، ليضاف إلى سلسلة قوانين القمع في الدولة، ولكن ليس هذا كل القصة، فالحكومة أرادت الهيمنة الكاملة وإطلاق يدها في مسائل العمل الخيري، بعد أن تزايدت ضغوط أجنبية، ومن دول كبرى، بأن هناك ثقوباً في قنوات العمل الخيري قد يتسرب بعضها للعمل الإرهابي، وأن أموال الخير تصبح دماء تضخ المزيد من القوة للجماعات الإسلامية السياسية التي تسيطر على معظم أنشطة العمل الخيري. فالحكومة من خلال مشروعها تريد أن تصيب عصفورين بحجر واحد، فيمكنها "ضبط " أوجه الصرف في العمل الخيري من ناحية، وعبر الضبط هي تمارس الهيمنة المطلقة، ومن ناحية أخرى هي تفعل ذلك وهي تضع العمامة الدينية فوق رأسها، فتغلق الباب بوجه المعارضين من حلفاء الأمس، بعد أن انقلبت عليهم معظم الأنظمة العربية التي جاءت مع تيار الثورة المضادة لثورات الربيع العربي. هل كانت الحكومة بحاجة إلى هذه "البلفة" (التمويه)، كي تخرج لنا مثل هذا المشروع البائس؟ وإذا كانت تريد فعلاً ضبط العمل الخيري كما تزعم، فلماذا لم تمارس الشفافية المفترضة في صياغة التشريعات وتصارح المخاطبين بالقانون بأغراضها؟ وعندها لن تكون بحاجة إلى استغلال عمامة وجلباب التقوى، وتهدد الناس بالزج في السجون، وكأن سجوننا ينقصها المزيد من سجناء الضمير... والسؤال الآن: هل انتهت قضايا الدولة يا حكومة حتى تغرقي البلد بتلك المشروعات؟!
أخر كلام
هذا «اللي ناقصنا»!
20-02-2018