ضياع الفرص التاريخية!
كان أمام العرب في تاريخهم المعاصر مجالٌ لفرص تاريخية لكنها ضاعت لأسباب معظمها سياسية، بدءا من قضية فلسطين التي استغل فيها الاستعمار والحركة الصهيونية ضعف العرب وتخلفهم ليبدؤوا مشروع الوطن القومي لليهود في فسطين وبناء الوقائع على الأرض بعد وعد بلفور 1917.
يعتبر العرب أكثر الشعوب إضاعة للفرص التاريخية، فقد قامت حروب لدول إسلامية لتوفير الذات وإضعافها، وقضت دول إسلامية على دول إسلامية أخرى منذ سقوط الدولة العباسية، وكان أمام العرب في تاريخهم المعاصر مجالٌ لفرص تاريخية لكنها ضاعت لأسباب معظمها سياسية. بداية قضية فلسطين، لقد استغل الاستعمار والحركة الصهيونية ضعف العرب وتخلفهم ليبدؤوا مشروع الوطن القومي لليهود في فسطين، ويبدؤوا ببناء الوقائع على الأرض بعد وعد بلفور 1917م، وقبل قيام الكيان الإسرائيلي عام 1947م طرحت بريطانيا مشروع تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية، فرفضه اليهود والعرب، ودخلوا حرب 1948م، وخسر العرب، وقامت إسرائيل، واليوم حتى إحياء ذلك المشروع أصبح غير ممكن! بعد ذلك دخل العرب في حروب مع إسرائيل خصوصا مصر، ونتائج كل تلك الحروب كانت ولا تزال لمصلحة إسرائيل، لأن النظام العربي كان يهمه الحكم لا الانتصار في قضية مصيرية كقضية فلسطين، ولم يدركوا أن وجود إسرائيل ونموها يهدد الأمن العربي لا الشعب الفلسطيني فحسب، وأن شعار إسرائيل من النيل إلى الفرات قد تغيرّ إلى السيطرة على مصادر المياه والنفط في العالم العربي.
وضاعت فرصة المقاومة التي أجهضت من أهلها قبل غيرهم، وقامت الثورات العربية، ولكن حروب الرَّدة فيها دمرتها، وتراجعنا عن الحد الأدنى الذي كان لدينا، وأصبح تعليمنا يحتضر، وإنساننا يدمّر بيدنا لا بيد عمرو، وشهدنا انتكاس الحركة القومية، ولم يقم أصحابها بنقدها، وإعادة النظر في مقوماتها، ثم أين حركة التنوير العربية التي بدأت في النصف الأول من القرن العشرين؟! ودخلنا دوامة الحروب الأهلية في معظم الدول العربية الكبيرة ولا تزال تدمر من الداخل الإنسان والذات والقيم، وجاء النفط لنقوم بهدر عائداته، ونفهم خطأ كيفية التعامل معه ومع عائداته المؤقتة لبناء مشروعات استراتيجية، وستضيع الفرصة علينا كغيرها من الفرص التاريخية التي ضاعت، وهل أصبحت مقولة الزعيم سعد زغلول "مافيش فايدة" صحيحة نرددها لأننا عاجزون عن أن نعمل شيئاً لمستقبل أجيالنا؟ والسؤال إلى متى يستمر مسلسل ضياع الفرص التاريخية على العرب؟!في مسألة الفرص التاريخية أنها لا تأتي كل يوم أو نخطط لها، بل تسهل علينا، وعلى أصحاب الوعي اقتناص الفرصة، ويمكن أن تكون فردية شخصية، ويمكن أن تكون عامة تقوم بها دولة أو جماعة، وهناك فرص تاريخية ضاعت على الأمة لو استغلت لكانت الحال غير الحال التي عليها العرب على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ويمكن أن نقول كلمة في موضوع نشأة الأحزاب السياسية ودورها في الدول العربية، فكيف تمارس هذه الظاهرة نشاطها بدون وجود الديمقراطية؟! ولذلك كان دورها سلبياً ومدمراً لدولها، في الوقت الذي كان بالإمكان الاستفادة منها، ويكون نشاطها إيجابياً سواء بتطوير الوعي السياسي والثقافي، ومن ثم تحالفها أو العمل الجبهوي، لا أن تحارب بعضها حتى تلك التي في الاتجاه الواحد! إن موضوع ضياع الفرص التاريخية عند العرب موضوعٌ تاريخيٌ ومتشعبٌ، أردنا أن نقول إن ذلك الضياع جزءٌ من عملية التخلف التي عشناها ونعيشها في الوطن العربي.