العراق: تحالف الصدر مع العلمانيين يصمد أمام أقسى اختبار
لم يكن غريباً إعلان إيران معارضتها تقارب الزعيم الديني الشيعي مقتدى الصدر مع العلمانيين، وتحالف الطرفين في قائمة انتخابية واحدة، على لسان أرفع مستشار لمرشد الثورة علي أكبر ولايتي، الدبلوماسي الإيراني المخضرم الذي زار بغداد قبل أيام، وتحدث عن الانتخابات العراقية بنحو أثار الغضب.فقد سبق للصدر أن تقارب مع أحزاب علمانية بارزة مثل حزبي الزعيم الكردي مسعود البارزاني ورئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي عام 2012، بهدف الإطاحة بحليف إيران نوري المالكي رئيس الحكومة السابق، مما أثار حفيظة طهران، وجعلها توظف حتى الفتاوى الدينية لثنيه عن ذلك، لكن دون جدوى.
وحينذاك، طلبت طهران من آية الله كاظم الحائري، المرجع الديني المقيم في قم والقريب من المرشد الإيراني علي خامنئي، الافتاء بحرمة العمل السياسي مع العلمانيين، لمنع الصدر من الإطاحة بالمالكي، في محاولة لسحب الثقة، إلا أن التيار الصدري، وفي موقف ديني نادر، سخر من هذه الفتوى، قائلاً إن كل إسلاميي العراق يعملون في البرلمان مع قوى اليسار والليبرالية، وأن هذه الفتوى تعني إسقاطاً للنظام السياسي العراقي برمته، ولا يمكن العمل بها.وتشهد استعدادات الاقتراع النيابي المقبل تحولات مهمة، أبرزها تحالف العلمانيين مع الإسلاميين، فقد ظهرت قائمة مهمة متنوعة مذهبياً، رأسها إياد علاوي، العلماني الشيعي البارز، بالتحالف مع سليم الجبوري رئيس البرلمان والممثل للإخوان المسلمين في العراق، كما تحالف الصدر مع الحزب الشيوعي العراقي وأسماء سنية بارزة ليبرالية أو من عوائل العهد الملكي مثل مضر شوكت، وهو حفيد السياسي العراقي الشهير سامي شوكت، رئيس الحكومة في الأربعينيات، وقوى ليبرالية وعلمانية أخرى، وهي أول مرة سيحشد فيها الصدر جمهوره الإسلامي الكبير للتصويت لأسماء علمانية، في سابقة مهمة بتاريخ انتخابات العراق، ستكون لها آثارها على الحياة البرلمانية في البلاد، ويمكن أن تشكل كتلة متوسطة الحجم ومؤثرة من ثلاثين مقعداً على الأقل، قياساً بالجمهور الصدري المندفع لدعم زعيمه الروحي.ويمكن القول إن جدل الانتخابات المقررة في مايو المقبل يمثل اقتراعاً نادراً لا يشهد تجاذباً دينياً علمانياً، لكن مستشار خامنئي لم يستطع منع نفسه من التعبير عن غضب طهران من تحول دراماتيكي في السياسة العراقية يمكن أن يمثل مدخلاً لتغييرات داخلية تعني ولادة جناح معتدل أكثر قوة مما مضى، وقطع الطريق على الأجنحة الحليفة لطهران، بموازاة تقارب عراقي عربي كبير وبارز، واندفاع دولي لمساعدة بغداد في تخفيف النفوذ الإيراني ودخول مرحلة جديدة وسط حرائق الشرق الأوسط.