جروحنا النزقة، المندفعة، الطائشة، المتعطشة للثأر وللانتقام!جروحنا التي تجهز منذ لحظة ولادتها عتاد الغضب لحرب لا هدف لها سوى الفوز بجرح في الطرف الآخر، إيذاناً بتشجّر الألم!
جروحنا التي تنمّي مشاعر اللؤم فينا، وتعطي غطاءً من نبل الصفات لسلوكياتنا الدنيئة، وتجيّش الشر «المسالم» داخلنا تحت رايات سامية، كالكرامة ورد الاعتبار، وتسمّي الأسماء بغير أسمائها، لخنجرة قلوبنا، وغرس الشوك في أمانينا.جروحنا التي تغذي ضياء إنسانيتنا بالظلام، بحجة الثأر لها، يجب ألا نوليها زمام إنسانيتنا، حتى لا تقودها إلى العطب. لدى جروحنا دائما المنطق القادر على إقناعنا بحقها في القصاص، ودائما لديها الدلائل المادية التي لا تقبل النقض: الألم، إحساسنا بالظلم، وعدم التقدير، والذل، والإهانة، وقائمة طويلة من الدلائل المادية الأخرى التي تصاحب أي جرح. إن صدق أحد تلك الأدلة كافٍ لإثبات حق جروحنا في القصاص، إلا أن الحق أحياناً فخ الشيطان، ووسيلته المثلى لتحريض كل خلايا الشر المختبئ تحت جلودنا، يستخدمه للإيقاع بنا، فباسم حقنا في الحصول على حقنا الذي لا ريب فيه نخسر أحيانا شيئاً من النقي فينا، فزجاج الحق ليس ناصعاً دائماً، فأحياناً ما يكون ضبابيا ولا يرينا سواه، وحينها ليس هناك ما هو أوضح وأكثر إغراء من حق الانتقام ثغرة لانهمار الظلام داخلنا، وجروحنا هي مصيدة تلك اللحظات التي يصبح فيها زجاج الحق ضبابيا، وهي الموسم المثالي لغرس الصبار في حقول قلوبنا، ستبدو جميلة لنا، لكنها مؤذية لنبضنا، هذا ما تفعله جروحنا بنا عند تحريضها لنا بالانتقام. إنها ترينا صواب ما نفعل، وتخفي عنا حكمة ما لم نفعل، فحرارة نزفها لا تجعلها ترى ضمادا سوى حقها في الثأر، وتوقد بغاية الانتقام نارا وقودها ما يجعلنا بشرا. جروحنا شر لنا من الخير اتقاؤه، لابد من جمع شهوتها إن أردنا ألا نكون رماد ناطقا، وأن ندجّن وحشيتها، ونهذب كثيراً من سلوكها المؤذي لنا، وأن نمرِّنها على قبول التنازل عن حقها، حتى إن مكرهة، فستكتشف بعدئذ أن ذلك كان أشفى لها وبأقل ضرر ممكن لإنسانيتنا. موجع هو الشعور عند التنازل عن حق لنا مبين، لكن الموجع أكثر أن نحمل إثم الحصول عليه طول العمر. لابد أن تعي جروحنا ذلك جيداً، وأن نوقفها عن ممارسة الكذب علينا، بادعائها أن إثارة نخوة الشر فينا ليست سوى نصرة لكرامتنا واستردادا لعزتنا، وأن نضع حدا لخديعتها لنا بخلطها أوراق الخصال، لنضل طريق الهدى إلى ذواتنا الحسنة!
توابل - ثقافات
لنحسن تربية جروحنا!
22-02-2018