أمطار النائب الخانقة
بعد خروج النائب وليد الطبطبائي من السجن، إثر قرار الإفراج المؤقت من محكمة التمييز في قضية دخول المجلس، أبدى النائب سعادته بهذا الحرية بربطها مع الظواهر الطبيعية، فعقّب مغرداً بأنه قبل دخوله المعتقل كانت هناك أمطار، وتوقفت عند سجنه، ثم عادت الأمطار بعد الإفراج عنه! قد يكون هذا التعقيب على سبيل الظرافة، إلا أنه أيضاً يشير إلى اعتقاد راسخ عند شعوب كثيرة قديمة لم يطرق التنوير العلمي أو الحداثة (ليس المقصود حداثة الأسمنت والزفت) أعماق وعيها، وفي الأكثر تفسر الظواهر الطبيعية بأنها ردود على سلوك إنساني، فحدوث زلازل أو فيضان مدمر أو عاصفة في بلد ما، يعني غضباً إلهياً على أهله، لأنهم عصوا أوامره، وإذا أمطرت قليلاً في صحارى قاحلة بأرضها وثقافتها، فلا بد أن يكون هذا تعبيراً عن رضا رباني. مثل ذلك الربط القدري قد يوقع أصحابه في محنة تفسير عبثية الصدفة الطبيعية، فكيف نفسر حدوث المجاعات والكوارث الطبيعية التي تقتل وتشرد مئات الألوف عند شعوب مؤمنة تقية وفقيرة، بينما نجد الأجواء الجميلة والأرض الخصبة عند أمم ونظم علمانية تحدث فيها الموبقات - مثل دول أوروبا - وترتكب فيها المعاصي، ومع ذلك فهم يرتعون بالخير والنعم وتقل عندهم الكوارث الطبيعية والإنسانية؟!
من الطبيعي أن نجد ردوداً جاهزة من الأتقياء تنهال لتقبر مثل ذلك التساؤل، تتذرع بأن ما يحدث، سواء في دول البؤس الفقيرة المؤمنة من كوارث، أو نعم ورفاه في دول متقدمة، هو اختبار وابتلاء... وعلينا انتظار النهايات... انتظروا.. ولنتمنّ مثلما غرد أحد الظرفاء، أن يدخل النائب وليد السجن ويخرج منه حراً، حتى تطفح الأسواق بالفقع أو يصبح برميل النفط بألف دولار.أيضاً النائب وليد الذي صودرت حريته مع غيره من الشباب، لأنهم مارسوا رفضهم لتجاوزات رهيبة في المال العام، وكانت حركة دخول المجلس، وفق هذا المنظور، نوعاً من ممارسة حرية التعبير، والرفض لمسلك سياسي للسلطة، لم يتردد وليد في الدعوة إلى محاسبة والتحقيق في موضوع حفل غنائي أقيم في جامعة خاصة.هنا – أيضا عند تفسير محدد - نجد أحد ضحايا حرية التعبير يدعو إلى قمع حرية "اجتماعية" شخصية، وهي بالتالي ممارسة لحرية الضمير! أياً كانت المحنة التي نجد أنفسنا معها، حين نطالب بحريات تكون حسب فهم وقناعة بعضنا دون البعض الآخر، ولو "بعضنا" هنا يمثل الأكثرية الدينية "والبعض الآخر" هم نحن، سواء تم تصنيفنا باليسار الليبرالي أو الليبراليين، أو أي نعت آخر، ننتهي آخر الأمر بالردح والجدل حول معنى الحرية، وترديد عبارات مستهلكة تاريخياً، كأن نقول حريتك ألا تمس معتقداتنا وعاداتنا وتقاليدنا، ونحن بلد إسلامي وهويتنا إسلامية، وكأن تلك المقولات اكتشافات جديدة لا تختلف عن اكتشافات وكالة ناسا لعلوم الفضاء، وقد يأتي الرد متعصباً من بعضنا بعبارة تخبئ نفياً متعالياً للآخر، تصدر من أي الطرفين المتجادلين، مثل "إذا مو عاجبك روح قندهار (ضد المحافظين)، أو روح عيش في باريس (ضد المتحررين).."، ولا نهاية.بعد أكثر من نصف قرن على ولادة الدستور، وأيضاً بعد مضي عقود من تشريع عدة قوانين من مجالس دستورية وغير دستورية أحالت نصوص الدستور إلى واجهة شكلية، وبعد مرور 27 عاماً على ولادة الدولة من جديد بعد التحرير، مازالت قضية الوعي بالحرية والإيمان بها تتراجع أو تتخذ شكلاً انتقائياً، فمن المسؤول عن المحنة؟ وهل حدثت حقيقة ولادة جديدة للدولة كي نحتفي بها؟، أم هذا نحن على طمام المرحوم "ونتقدم بقوة للخلف"، في حقول التعليم والشفافية والفساد.. إلخ؟ لنصل بحمد الله ورعايته إلى الظاهرة الكونية لمطر النائب وليد.