يتناول كتاب «الممثلون اليهود في مصر» بدايات هؤلاء، ويرى أنهم كانوا جزءاً أصيلاً من الحركة المسرحية مع بواكير ظهورها فى مصر، واستمر الأمر كذلك حتى نهاية الأربعينيات من القرن الماضي. بل إن الممثلات اليهوديات تحديداً كنّ في طليعة جيل المسرحيين الرواد حينما أتى أبو خليل القباني من سورية بالممثلة اليهودية «لبيبة مانيللي» وأتبعه منافسه سليمان القرداحي بالممثلتين الشقيقتين «ألمظ وإيريز استاتي» لسد فراغ الأدوار النسائية، في ظل وقوف التقاليد الاجتماعية في وجه عمل المصريات بالتمثيل قبل أن تكسر كل من منيرة المهدية وروز اليوسف وفاطمة رشدي وغيرهن هذا الحاجز الاجتماعي.

ويتابع المؤلف أنه مع تنامي الحركة المسرحية، ظهر النشاط السينمائي، خصوصاً الروائي منه. منذ عام 1927 لم يكن ثمة ما يسترعي الانتباه في وجود ممثلين يهود جنباً إلى جنب مع أقرانهم من المسلمين والأقباط أو حتى مع المتمصرين ذوي الأصول الأجنبية، الذين أقاموا في مصر إقامة دائمة وحصل معظمهم على الجنسية المصرية. فلم يكن مستغرباً أن تضمّ فرقة جورج أبيض كلاً من اليهودية مريم سماط، والمسلم حسين رياض مثلاً، أو أن تكون بطلة فرقة الشيخ سلامة حجازي (المسلم) اليهودية ميليا ديان في وجود القبطي منسي فهمي والمسلم محمود وصفي. بل إن الشيخ سلامة حجازي كان يقيم بعض الحفلات المسرحية لصالح مشاريع خيرية يهودية من دون استهجان من أحد. واستمرت الأمور على هذه الحال مع توالي نشوء الفرق المسرحية، فعرفت فرقة نجيب الريحاني (المسيحي) وجود اليهوديات صالحة قاصين، وإستر شطاح، ونجوى سالم، مع المسلمين حسن فايق، وميمي شكيب، وعبد الفتاح القصري، وغيرهم.

Ad

وعلى شاشة السينما تعاون اليهودي توجو مزراحي مع المسلم علي الكسار والمسيحي ستيفان روستي من دون أدنى حساسية، وأبرز المسلم محمد كريم الموهبتين اليهوديتين ليلى مراد وراقية إبراهيم والمسيحية رجاء عبده، من دون النظر إلى خانة الدين في البطاقة الشخصية، وهي ذاتها الفترة التي قدّم فيها المبدعون أعمالاً من قبيل «فاطمة وماريكا وراشيل أو حسن ومرقس وكوهين»، بلا خجل في الطرح أو حرج في التناول.

تجارب بارزة

اهتم الكتاب بالممثلين اليهود أصحاب التجارب الواضحة والمشوار البارز، فقد عرف فن التمثيل أسماء يهودية كثيرة كان حضورها باهتاً أو عابراً، أو انعدمت أية معلومات عنهم، وتطول القائمة في هذا المجال: جورج، وألمظ، وإريز، وإيزابيل استاتي، وماري صوفان، وميليا ديان، ومريم سماط، ونظلة مزراحي، وفيكتوريا أشطاسي، وأديل ليفي، ووردة ميلان، وروجينا إسرائيل، وهنريت كوهين، ومريم ماللي أو مانيللي، وسميحة مراد، وجراسيا قاصين، وجمال، وميمو رمسيس، وفهمي أمان، ووزكي الفيومي.

وأبرز الكتاب حرص عدد كبير من الممثلين اليهود على تغيير أسمائهم، فأصبحت راشيل إبراهام راقية إبراهيم، وليليان فيكتور كوهين كاميليا، وهينريت كوهين بهيجة المهدي، وتوجو مزراحي أحمد المشرقي، ونظيرة موسى شحادة أو شحاتة نجوى سالم، وإيلي مهذب ساسون إلياس مؤدب. ومع ذلك أبقى البعض الآخر على أسمائه اليهودية كحال فيكتوريا كوهين، وصالحة قاصين، وإستر شطاح، ما يعني أن تغيير الأسماء لم يكن لأسباب دينية أو اجتماعية أو حتى سياسية، إنما فنية بحتة بحثاً عن اسم شهرة أكثر سهولة، تماماً مثلما لجأ إلى ذلك الممثلون المسلمون أحمد رمزي وشادية وزينات صدقي ونور الشريف...

كذلك أشار إلى أن من بين كل الممثلين اليهود الذين عرفتهم مصر لم يهاجر أي منهم إلى فلسطين سوى اثنتين هما سرينا إبراهيم أخت الممثلة نجمة إبراهيم، وغراسيا قاصين شقيقة الممثلة صالحة قاصين. وتبرأت كل من نجمة وصالحة من أختيهما ولم تفضلا الحديث عنهما بعد هذه الخطوة، بالإضافة إلى ممثلة ومطربة مغمورة ثالثة اسمها سعاد زكي ظهرت في فيلم «سلامة» إلى جانب أم كلثوم. أما توغو مزراحي فشدّ الرحال إلى مسقط رأس عائلته في إيطاليا، بينما هاجرت ملك وسميحة مراد وراقية إبراهيم وجمال وميمو رمسيس إلى الولايات المتحدة الأميركية، ما يشير إلى أن الممثلين اليهود المصريين لم يكونوا مؤمنين بالفكر الصهيوني ولا مشجعين لتوجهاته، ربما باستثناء راقية إبراهيم إذا صحت المعلومات المتداولة عنها. وحتى الثلاث اللائي سافرن إلى إسرائيل فقد دفعتهن، في ما يبدو، الأسباب الاقتصادية إلى فعل ذلك، لا سيما بعدما انحسرت الأضواء عنهن وقلت فرص العمل بالنسبة إليهن.

كذلك رصد الكتاب تحوّل غالبية الممثلين اليهود عن اليهودية إلى ديانة أخرى، وكانت وجهتهم دائماً إلى الإسلام كحال ليلى مراد، ونجمة إبراهيم، باستثناء الممثلة إيريز استاتي التي تحولت إلى المسيحية، ويلاحظ أيضاً أن كل من تحولوا عن اليهودية كانوا نساء باستثناء الممثل والملحن منير مراد.

أكذوبة إسرائيلية

يثبت الكاتب أشرف غريب في تتبع سيرة حياة هؤلاء الممثلين أكذوبة ما رددته آلة الدعاية الإسرائيلية عن اضطهاد السلطات المصرية في عهد عبد الناصر ذوي الأصول اليهودية، حتى لو كانوا أعلنوا إسلامهم والتضييق عليهم في عملهم. فقد ظلت فيكتوريا كوهين تعمل في السينما حتى عام 1967، كذلك إستر شطاح حتى عام 1971، ولم تتحولا عن اليهودية، فيما ظلت كل من صالحة قاصين ونجمة إبراهيم ونجوى سالم وليلى مراد المتحولات إلى الإسلام يعشن في ظروف طبيعية حتى سنوات متقدمة، باستثناء أزمات الشيخوخة وندرة فرص العمل، وهي ظروف عامة مرت بها تقريباً كل الممثلات غير اليهوديات اللائي تقدم بهن العمر.