لن يُسرق معجون أسنانكم!
ليس كل منا قادرا على أن يجعل من وجهه ممراً آمنا دائما للابتسامة، وأن يشِم على ثغره تلويحة لا تزول رغم كل شيء!ولا كل امرئ فاتح باب شفتيه كلما طرقته ابتسامة عابرة سبيل ومكرم في صدره ضيافتها، لا أظن ذلك. أظن أن أكثرنا لا يبارك بسمة يحين موعد ولادتها وفق توقيتها الشعوري، لا حسب توقيته المزاجي، كل ابتسامة لابد لها أن تملأ استمارة بجميع بياناتها الشخصية، موضحة الغرض من الزيارة، لتنظر حالتنا المزاجية، إن كانت ستمنحها تأشيرة الدخول إلى قلوبنا، أو رفض طلبها، لأسباب تتعلق بالأمن النفسي!
والبعض منا ينصب فخّاً لها في الطريق، للقضاء عليها، حتى قبل أن تنوخ ركابها بالقرب من مدخل شفتيه، والبعض يبني سورا من الأشواك بينها وبين وجهه، وآخر يضع كمامة سميكة على النصف الأسفل من ملامحة عند خروجه من دائرة ذاته الضيقة المظلمة ويشعل مصباحا صغيرا في يده، ليكتشف داخله خارج تلك الدائرة، خوفا بأن يصطدم في زاوية ما داخلة بابتسامة متشردة، فتزكم أنفه رائحتها، أو لا يريد أن ترى وجهه كاملا فتتعرف عليه! قد يُعذر البعض ذعرهم من استضافة ابتسامة، كما أن الابتسامة معذورة في إلحاحها في الطلب، فهي تعويذة مُرسلة لطرد طائر الوحشة من الصدور، تؤمن أن أجرها عند مرسلها يزداد بعدد محاولاتها، وليس فقط بنجاحها فيما أرسلت إليه، فهي لا تيأس أبداً من المحاولة، حتى لو الوصول عتبات تلك الصدور لنثر بعض قطرات من الماء السحري علها تُنبت بعض مصابيح حولها، وظنها البعض لمثابرتها متسكعة عزّ عليها المأوى، في حين هم لا يملكون من داخلهم سوى غرفة صغيرة ضيقة بهم، فكيف يمكنهم استضافة ابتسامة، وإن كانت فراشة، فالفراشة لن تكون وحدها، بل ستأتي بزحمة ألوانها، وما تجره خلفها من ورد، وحوريات ندى، وقطع نسيم، وحقائب مملؤة بمختلف أصوات الطيور، وجرّة بها صوت ماء، لن تكون وحدها، بل بصحبة قبيلتها، فكيف لمساحة ضيقة كتلك التي يغلقها البعض على أنفسهم أن تتسع لكل هذه الزحمة؟!إن ذلك سيُفقدهم جزءاً كبيراً من حصتهم من الأوكسجين في ذلك التابوت الضيق داخلهم. إن هذا تهديد حقيقي في مأمنهم، تلك المساحة الضيقة داخلهم، وهو تهديد تجب مقاومته، لذا هم معذورون، لكن ما عذر الذين "يكافحون" الابتسامة، لاعتقادهم بأنها ماكياج "الهبل" في تعاليم ثقافة مجتمعية ترى أن الابتسامة تسقط ستار الهيبة؟!يرون أن الابتسامة مجلبة للعار، فالأستر وأدها في أعمق حفرة في القلب، بعضهم لايزال يسمع صوتا بعيدا لا يكاد يتقين منه يشبه تلك صوت المؤدة، ولا يزال يهيل التراب على تلك الحفرة، وحافراً في ذات الوقت حفرة مجاورة لها يدفن بها صوتا يقول "إن الابتسامة صدقة". أقول لهؤلاء ابتسموا، فقليل من الهواء لن يكشف مكنون صدوركم، وقليل من النور لن يقض مضجع أسراركم، وحتما فإن الابتسامة لن تسرق رائحة معجون أسنانكم!