«قال وين أذنك يا (فلان) قال مناك!»

يقال هذا المثل الشعبي للشخص الذي يريد أن يسلك طريقاً بعيداً، رغم وجود طريق أسهل يوصل إلى نفس الهدف، فهو أشبه بالرجل الذي سئل عن أذنه فأشار بيده اليمنى من فوق رأسه إلى أذنه اليسرى البعيدة، متخطياً اليمنى القريبة.

Ad

وهذا المثل يمكن أن يلخص سنوات من الإطالة والتمديد والتسويف الحاصل في معالجة أزمة شركة الخطوط الكويتة، التي تحدث رئيسها التنفيذي هذا الأسبوع عن أنها «تحتاج الى جهد كبير لإنقاذها من الخسائر التي تتكبدها سنوياً»، وأن الكويتية «حتى تحقق الأرباح وترقى لمصاف الشركات العالمية تحتاج الى تطبيق استراتيجية تجارية بعيدة عن المجاملات، والتنسيق والتعاون مع الجهات العاملة في مطار الكويت الدولي».

25 عاماً

والحقيقة أن ملف الخطوط الجوية الكويتية يمثل نموذجاً لفشل الادارة العامة في معالجة أبسط القضايا، إذ إن الحديث عن هيكلة أو معالجة ملف «الكويتية» يدخل اليوم عامه الـ 25، أي ربع قرن من الزمان، عندما أعلنت الحكومة في مطلع عام 1993 رغبتها في خصخصة مؤسسة الخطوط الكويتية، لتدخل المؤسسة وبعدها الشركة في دهاليز تنوعت فيها الأفكار والنوايا المتضاربة والمتناقضة التي تحولت الى قوانين وتعديلات لاحقة عليها، ما بين الخصخصة والملكية الحكومية الكاملة أو الجزئية، أو الحصول على حق فيتو السهم الذهبي، أو التحول الى قابضة حكومية بشركات تابعة يستملكها القطاع الخاص جزئياً... وأفكار متعددة اخرى عن دفع رأس المال قبل إعادة هيكلة الاصول أم بعدها؟ مروراً بإعادة هيكلة القطاعات الادارية والعناصر البشرية، وخسائر متراكمة، ثم صفقات تحديث الاسطول، عبر شراء طائرات جديدة، ثم بيعها وإعادة استئجارها كخيار تمويلي لعدم وجود سيولة نقدية كافية لدى الشركة... كل هذا حدث دون بلوغ أي نتيجة من كل تلك الافكار، لعدم اتخاذ قرار يحسم الأمر في هذه الشركة.

فوضى قانونية وتبعية

وترتب على هذه الفوضى أن تخضع «الكويتية» من الناحية القانونية لقانونين هما (1965/21 و2008/6)، الأول يراها حكومية والثاني خاصة، قبل ان تعلن الحكومة في عام 2015 انها قررت الإبقاء على الخطوط الكويتية ناقلاً وطنياً، تملك فيها الحكومة 75 في المئة من أسهمها، في إضاعة وقت، بل انها من ناحية التبعية تتبع 3 جهات على الأقل هي وزارات المالية والتنمية والمواصلات، وقيل ايضا في نزاع قانوني إنها تتبع الطيران المدني، قبل ان يحيل مجلس الوزراء ملف الشركة قبل شهرين الى وزير المالية للإشراف على شركة الخطوط الجوية الكويتية.

فكرتان

ولعل الخيار السليم للتعامل مع شركة طيران كـ «الكويتية» ينحصر في فكرتين: الأولى ان يتم تخصيصها وفق آليات سليمة بمشغل عالمي يضمن الخبرة والجودة في الادارة والتشغيل ضمن بيئة منافسة حقيقية يتم خلالها تحرير اصدار رخص الطيران لأي مستثمر، دون حاجة لاستصدار قانون خاص، فثمة معضلة في فلسفة التخصيص الحكومية، وهي أن الدولة عندما تتخلى عن ملكيتها في القطاعات التي تمتلكها، مثل شركات الاتصالات أو البنوك أو الطيران فإنها تحتفظ بحق إصدار الرخص للشركات الجديدة في القطاع نفسه، وكأن الدولة هنا ضامن للاحتكار، مع أن تقييم مسألة الربح أو الخسارة ومدى قدرة السوق على استيعاب التنافس بين الشركات يجب أن يكون خاضعا للمستثمرين أنفسهم، لا للدولة.

أما الفكرة الثانية فأن تكون «الكويتية» شركة حكومية، ولكن ضمن مشروع سيادي أكبر لتسويق الكويت وتنمية خطوط الترانزيت، في سبيل الانفتاح التجاري والاقتصادي على العالم، فتكون شركة الطيران ذراعا تسويقيا للدولة في طرح مشاريعها واسمها، وبشكل افضل حتى مما تطرحه بعض دول المنطقة من مشاريع تسويق شركات طيرانها لبلدانها.

إلا أن مشكلة الكويت وإدارتها أن لا خبرة ولا تجربة نجاح لديها في الفكرتين أعلاه، فليس لدينا نموذج ناجح تماما للخصخصة مع المشغلين العالمين، ولا بيئة منافسة حقيقية تضمن النجاح والعدالة للشركات والمستهلكين، وبالمقابل لا يوجد نموذج حكومي عالي المهنية يسوق الكويت للعالم، وحتى مشروع الجزر ومدينة الحرير فيه قدر عالٍ من الضبابية ولا يمكن الرهان عليه بصيغته الحالية، والأخطر من هذا كله اعتبار شراء اسطول حديث وفتح خطوط طيران جديدة هما منتهى النجاح للخطوط الكويتية، رغم أنهما يعتبران بداية الطريق لأي شركة طيران، صغيرة كانت أو كبيرة.

نموذج صغير

مشكلة الخطوط الكويتية تعبر عن نموذج لأزمة الادارة العامة في الكويت، فيكفي مرور ربع قرن من الزمان، في محاولات إصلاح منحرفة عن المقاصد الاقتصادية السليمة، لنعرف حجم الخلل في مسعى خصخصة شركة طيران، مهما ارتفعت أهميتها، فتظل أقل اهمية من خصخصة قطاعات اخرى تنوي الحكومة خصخصتها كليا او جزئيا، كالكهرباء والماء والتعليم والصحة والنفط، مما يجعل مؤيدي الخصخصة أمام نموذج غير مشجع لطرح المزيد من الأفكار بشأنها، لا من حيث المدة القياسية (25 عاما)، ولا من حيث الارتباك في الملكية (خصخصة وتراجع عنها)، ولا حتى من جانب التباطؤ في سداد رأس المال او تحديد التبعية، والأهم من ذلك كله عدم حسم فلسفة التعامل معها ككيان جاذب للأموال والخبرات الاجنبية، أو كمشروع سيادي يسوّق الكويت للخارج، مما يرجح بقاءها كشركة حكومية عادية شكا رئيسها التنفيذي مما اسماه «المجاملات»، وغياب التنسيق والتعاون مع الجهات الحكومية وعدم وجود استراتيجية تجارية، وهي نفس الأسباب التاريخية التي ادت الى حالة أشبه بالانهيار قبل سنوات، وتحقيقها لخسائر، حتى تحولت بعدها الى شركة طيران شبه منبوذة