في الساعات الأولى من صباح يوم 24 فبراير 1991، كانت قوات المقاومة الكويتية تتجهز لتجديد عمليات المقاومة الشعبية، ومهاجمة العدو، وكانت القوات الغازية تجوب الشوارع بحثاً عن السلب والنهب، توقفت أمام البيت، دق الضابط الباب، فلم يُجب أحد، فتسلق السور بحثاً عن شيء يُسرق كما هي عادة القوات المرتزقة، هنا كان الخيار واحداً من اثنين لأبطال الكويت، إما الخنوع أو المقاومة، رغم قلة العدد والعتاد ما كان لهؤلاء الأبطال البواسل أن يخنعوا وقد عقدوا العزم على المقاومة، بدأت المعركة غير المتكافئة بين أبطال الكويت وبين القوات الغازية المدججة بالدبابات والأسلحة الثقيلة، ورغم عدم التكافؤ في العتاد؛ فإن المعركة استمرت ما يقارب الاثنتي عشرة ساعة، صمد فيها أبطالنا وشهداؤنا البواسل، مع حلول الساعة السادسة مساءً كان عدد الشهداء من قواتنا الشعبية الباسلة ثلاثة، وتم أسر تسعة آخرين؛ لكن قوات الغزو والظلم ما كانت لتلتزم بشرف الجندية، فوُجدت جثثهم في أماكن متفرقة بعد عدة أيام من التعذيب.لم ولن تنتهي القصة، وما كان لي أن أكتب نهاية قصةٍ كُتب لها الخلود في تاريخ أمتنا شاهدةً على التضحية والبطولة والفداء والدفاع عن الوطن بالدماء والأرواح. لم ولن تنتهي القصة لأن الدماء الطاهرة التي سالت في بيت القرين وعطرت كل شبر من أجزاء الكويت لم تفرق بين بدوي وحضري، وبين سني وشيعي، كانت الدماء كويتية خالصة، نابضة بالانتماء لهذه الأرض الأبية التي رفضت الخنوع والاستسلام، وكأن بيت القرين رمز لوحدة الأمة وتماسكها وترابطها في وجه كل خيانة وغدر.
لم ولن تنتهي القصة لأنها مثالٌ حيٌ وشاهد لكل الأجيال الحالية والمقبلة على قيمة ترابطنا ووحدتنا، وأن هذا البلد ثري بتنوعه، قوي بوحدة أبنائه وترابطهم، فادخلوا يا أبناءنا ويا وبناتنا إلى بيت القرين وانظروا إلى رموز الفخر والبطولة التي لن تستطيعوا أن تميزوا طائفتها أو اتجاهها، ستكون العلامات الواضحة الجلية فقط أنهم نبت الكويت وفخرها، وأنهم رمز الكرامة وكبريائها، وأنهم دليل الوحدة وقوتها، والتي أنهكت الدبابات والأسلحة الثقيلة للقوات الغازية ساعات طوالا، ادخلوا بيت القرين وخذوا القدوة من أبطالنا، وتعلموا الدرس من وحدتنا وترابطنا وقوتنا وعزتنا، ودعوا كل دعاوى الاختلاف التي تشتتكم وتذهب قوّتكم وتضعفكم، فكلها خلافات هشة واختلافات واهية لا تسمن ولا تغني من جوع، وتهدد أمن الوطن واستقراره، وتُضيع دماء الشهداء الأبرار هباءً، فتمسكوا بقداسة الدم الذي روى الأرض، واسألوا بيت القرين واسألوا شوارع الكويت وميادينها التي ارتوت بدماء الكويتيين: هل تستطيع التفريق بين دم البدوي والحضري؟ وهل تستطيع التفريق بين دم السني والشيعي؟ الأرض لا تفرق بين دماء الشهداء الطاهرة الحرة، فلماذا هذه الفرقة والجدال والتناحر والاختلاف وكأننا لم نفهم الدرس ولم نستوعبه، ولم ندرك أن الدماء التي روت الأرض هي كويتية قبل كل شيء، وهي رمز العزة والكرامة لماضينا وحاضرنا ومستقبلنا؟ لم ولن تنتهي قصة بيت القرين لأنها باقية في قلوبنا وأذهاننا تعلمنا دروس الوحدة والمحبة والتضحية والفداء من أجل حبيبتي الغالية، من أجلك يا كويت.لم تنته القصة ولن تنتهي مادام هناك غباء من بعض من يدّعون الرشد في بلدنا الحبيب، وعقدة النقص واضحة كوضوح الشمس عند هؤلاء الأغبياء، فهم دائما يتغنون ويغمزون ويهمزون كالعوائل الأرستقراطية في القارة العجوز، لا أيها الأغبياء نحن نعلم أننا جميعاً حديثو نعمة، وأننا جميعاً ليس ما تتغنون به، وأننا جميعاً صنعتنا هذه الأرض التي نهبتم خيراتها وما زلتم تنهبونها، ولو فتحنا صفحاتكم العفنة التي سطرتموها بأيديكم لرأينا العجب العجاب، إننا نعلم أنكم تعلمون بل العالم كله يعلم أن الدماء هي أغلى شيء وأسماه من التضحيات، فهل سالت لكم دماء على هذه الأرض الطاهرة؟ إذاً لماذا رؤوس القروم تنوخ عند أردى القوم، كم بيت قرين نحتاج لتاريخنا لكي تعلموا من نحن وتفهموا ما نريد؟
مقالات - اضافات
أرجوحة: بيت القرين... يا سادة!
02-03-2018