النموذج الصيني لتوحيد كوريا
خلال الأسابيع الأخيرة اتخذت الأخبار عن كوريا الشمالية طابعاً أقل عدائيةً، فمن الجيد أن الكوريتين الشمالية والجنوبية تتحاوران للمرة الأولى منذ سنتين، وشكّل قرار كيم يونغ أون إرسال رياضيين ومشجعين إلى ألعاب بيونغ تشانغ إشارة إلى حركة سياسية.يجب ألا ننخدع بالتأكيد، ربما يمارس كيم ألعاب الغموض والخداع، وهذا المرجّح لكن السؤال المطروح: هل يحمل تقلبه هذا شيئاً من الصدق؟قد يكون اعتبار الصين نموذجاً طريقة عمل صائبة، فلا يعني هذا أن تفرض الصين حلاً على الكوريتين، بل أن تُعتبر مقاربة «بلد واحد بنظامين» الصينية مثالاً للمضي قدماً.
لا تزال الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى ملتزمة رسمياً بسياسة «الصين الواحدة»، التي تعتبر جمهورية الصين الشعبية وتايوان دولة واحدة تسعى إلى التوحد، صحيح أن اختلافات ضخمة تفصل جمهورية الصين الشعبية عن تايوان سياسياً، واقتصادياً، وثقافياً، لكن الصين هددت باللجوء إلى القوة إذا أعلنت تايبيه الاستقلال، إذ تعيش تايوان حالة غير مستقرة في ظل إطار العمل هذا، ويعرب بعض التايوانيين عن رغبتهم في إعلان الاستقلال رغم المخاطر، بالإضافة إلى ذلك يجمع ائتلاف استراتيجي تايوان بالولايات المتحدة التي تمدها أيضاً بالمعدات العسكرية، مما يُعقّد العلاقات بين بكين وواشنطن.ثمة وجهتا نظر حيال التعاطي السياسي مع كوريا الشمالية، إذ تشير الأولى إلى أن هذا التعاطي لن ينجح وأنه سيؤدي إلى مكافأة كارثية لسلوك مارق يهدد الولايات المتحدة، وكما ذكر مكيافيلي إذا كانت حرب ضرورية حرباً عادلة فمن الأفضل خوضها الآن بدل شنها لاحقاً في ظل ظروف أقل تناسبا، أما إذا قبلنا بالردع النووي الكوري الشمالي فقد يتحوّل إلى قصة نجاح تحتذي بها دول أخرى مثل إيران. في المقابل ترى وجهة النظر الأخرى أنه من المستبعد جداً أن تتخلص بيونغ يانغ من أسلحتها النووية، لذلك لا مفر من سياسة احتواء وتعاطٍ، وخصوصاً أن وجهة النظر هذه تعتقد أن الوقت ما زال سانحاً لتفادي الأسوأ.أعلن هنري كيسنجر في شهادة أخيرة أمام لجنة الخدمات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ أن نزع سلاح كوريا الشمالية النووي بالكامل يجب أن يكون مطلباً غير قابل للتفاوض، مع أن تنفيذه قد يتطلب الوقت، ولكن من الضروري اتخاذ خطوات ملموسة فورية وعدم السماح لبيونغ يانغ بالمماطلة كما فعلت فيتنام الشمالية في مفاوضات حرب فيتنام. في عدد مارس-أبريل عام 2018 من مجلة «فورن أفيرز»، أشار كورت م. كامبل وإيلي راتنر إلى أن الصين استفادت من هفوات الولايات المتحدة الاستراتيجية، فكتبا: «لا الترهيب ولا الترغيب دفعا الصين إلى المسار المتوقَّع... ترافق التعاطي مع الصين مع «عملية تحوّط»: تعزيز القوة العسكرية في المنطقة من خلال حلفاء وشركاء قادرين، حسبما يُفترض». لكن هذه المقاربة فشلت، فخلال عهد شي جين بينغ، تفاقم قمع الحزب الشيوعي السياسي وحققت الصين تقدّماً ضخماً في مجالات الاقتصاد، والسياسة، والجيش.على واشنطن وحلفائها أن يتفادوا ارتكاب هفوات مماثلة في التعاطي مع نظام كيم، لكن المشكلة تكمن في أنه لا الولايات المتحدة ولا سيئول ولا أي قوة خارجية أخرى تملك استراتيجية واضحة. في الواقع تعتمد كل المسائل على ما يريده نظام كيم.ربما يريد كيم التنمية والعودة إلى النظام العالمي بدل العزلة المستبدة، تعتبر سياسة «بيونغ جين» (التنمية المتوازية) التي تبناها كيم أنه بعد تحقيق الردع النووي، بات من الممكن راهناً التشديد على الازدهار، ونشهد اليوم تنمية تجارية وسكنية ومتنزهات مائية ومتنزهات تسلية وغيرها في أجزاء من البلد، للنخبة على الأقل.لكن السؤال الذي ينشأ: هل كيم مهتم بتنمية شعبه الاجتماعية؟ ربما لا، ولكن إذا كان كذلك فقد تبرر عقيدة الوحدة (على مدى سنوات) التفكيك التدريجي للمؤسسات القمعية، ولعل أبرزها معسكرات العمل المستبدة، وقد تشكّل الصين نموذجاً في هذا المجال.صحيح أن حكومة شي جين بينغ ازدادت قمعاً إلا أن هذا البلد ما زال بعيداً جداً عن العودة إلى الماوية، ولا شك أن المعتقل الكوري الشمالي لن يدوم إلى ما لا نهاية.* رونالد تيرسكي* «ريل كلير وورلد»