طوال معظم نصف القرن الماضي، تعرض الين إما الى خفض حاد أو زيادة كبيرة في قيمته مقابل الدولار، ما أفضى الى دائرة محبطة للازدهار الاقتصادي في اليابان. أما الآن فإن الين يظهر مؤشرات على الاستقرار مع اقترابه من قيمته العادلة، كما تقدرها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وفق تعادل القوة الشرائية.واللافت في سوق صرف العملات الأجنبية أن العملات تتحرك بصورة تفوق ما يتوجب. وتتغير أساسيات البلاد –التي تعكس تعادل القوة الشرائية للعملة– ببطء مع مرور الوقت ولكن الأسواق المالية تتجاوب مع المتغيرات العابرة. كما أن العملات ذات سمة سياسية متأصلة، فمعدلات صرف الين -الدولار تتأثر بتغيرات وتحولات العلاقة الأميركية– اليابانية. ومن هذا المنطلق يشعر وزراء المالية في اليابان وغيرهم من كبار المسؤولين بضرورة إطلاق تصريحات علنية بشأن سوق الصرف.
ولاشك أن التعرف على الخلفية التاريخية، يساعدنا على فهم موقع الين الآن. لقد باتت اليابان بعد الحرب العالمية الثانية بشكل فعلي محمية أميركية، كما أن دعم تطور اقتصادها كان منطقياً بالنسبة الى الولايات المتحدة في مواجهة الكتلة السوفياتية. وفي ظل نظام بريتون وودز الذي أنتج معدلات الصرف الثابتة تم تحديد سعر الدولار مقابل الين عند 360. وبحلول أواخر الستينيات من القرن الماضي كان ذلك يمثل خفضاً في قيمة الين بنسبة 40 في المئة وتحسناً هائلاً في التنافسية اليابانية.وشهدت "هزة نيكسون" تخلي الولايات المتحدة عن معيار الذهب ونهاية بريتون ووددز، فارتفع الين ولكنه ظل منخفض القيمة من حيث تعادل القوة الشرائية طوال معظم الـ 14 سنة التالية. وتطور الاحتكاك التجاري مع اليابان الى أزمة سياسية فجة، واتخذ المشرعون في الولايات المتحدة موقفاً حازماً تجاه شركة توشيبا وغدت الكتب التي تتحدث عن التفوق الاقتصادي لليابان على الولايات المتحدة الأكثر مبيعا. كانت تلك هي خلفية اعادة التقييم الضخمة للعملة التي كان على اليابان – وألمانيا الغربية – تقبلها من أجل وقف هبوط الدولار في اتفاق بلازا في سبتمبر 1985. وتحسن سعر الين بسرعة وعندما بلغ أعلى نقطة له في سنة 1995 كان سعره أكثر من ضعف معادل القوة الشرائية – وهذا مستوى مذهل بالنسبة الى أي اقتصاد. ولم يخمد ما وصفه صحافيون وبيل ايموت بـ"يابان فوبيا" الا بعد نمو اقتصاد الإنترنت، وظهور أدلة واضحة على أن نموذج اليابان الاقتصادي كان يعاني متاعب خطيرة. وبحلول ذلك الوقت كانت الحرب الباردة قد انتهت منذ فترة طويلة، وتلاشت أهمية اليابان كدولة حليفة، وحلت اللامبالاة محل المنافسة.في غضون ذلك، حصل الين على مركز غير محبذ كملاذ آمن في أوقات الاضطراب الى جانب الذهب والفرنك السويسري. وبات الين يرتفع كلما حدث شيء كريه في العالم – مثل أزمة مالية أو كارثة. بل حتى ان حدث مكروه لليابان نفسها كما كان الحال في كارثة الهزة الأرضية، وتسونامي، وحادثة محطة فوكوشيما النووية في عام 2011.
أكبر دائن في العالم
ان اليابان هي أكبر دائن في العالم مع أصول خارجية صافية تزيد على 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، لذلك فإن من المحتمل أن يسود الخوف من حاجتها الى استعادة رأس المال. ولقد أضعف برنامج بنك اليابان للتيسير الكمي ظاهرة الملاذ الآمن ولكنه لم ينهيها. وعلى أي حال، ومع بقاء حاكم بنك اليابان هاريوهيكو كورودا في منصبه حتى سنة 2023 فإن أي اضطراب خطير في الأسواق المالية سيقابل على الأرجح بسياسة نقدية غير تقليدية. وتشير الحالة الجيوسياسية الراهنة أيضاً إلى أن زمن التقييم المبالغ فيه قد انتهى. وعادت اليابان الى دورها كحليف مهم للولايات المتحدة مع اظهار الصين لرغبتها في تحدي الوجود الأميركي في المنطقة. ومن دون يابان واثقة وناجحة فإن احتواء نفوذ الصين سيكون أكثر صعوبة الى حد كبير. ويبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أدرك ذلك على الرغم من موقفه الغاضب من الانتقادات اليابانية خلال حملته الانتخابية.إنها مفارقة صادمة ولكن الين قد يستقر حين يقترب قيمته العادلة، وسيشكل ذلك كارثة بالنسبة الى تجار العملات، ولكنه تطور محبذ من وجهة نظر أي شخص آخر تقريباً.