انعكاسات الانتخابات الإيطالية على المشهد السياسي
يشعر الناخبون الإيطاليون بالإحباط والغضب ويطلبون نوعاً من التغيير، وتكمن المشكلة في أن الخيارات السياسية والانسحاب من منطقة اليورو والعودة إلى الإنفاق الواسع لن تحل مشاكل البلاد، وقد يتسبب ذلك في خلق أزمة أخرى لإيطاليا وأوروبا التي تسعى إلى الخروج من جولة جديدة من مشاكل الديون السيادية.
يتوجه الناخبون الإيطاليون غداً إلى مراكز الاقتراع لانتخاب برلمان جديد، وتتكون الأحزاب الرئيسية المتنافسة من «بي دي» وحركة الـ 5 نجوم والعصبة الشمالية و»فورزا إيطاليا» والحرية والمساواة و»أخوة إيطاليا». وتتمحور القضايا الرئيسية في هذه الانتخابات حول الهجرة والانقسامات الجيلية في القوة العاملة بين الشباب الذين يعملون في وظائف مؤقتة وبين الجيل الأكبر العامل في مهن بدوام كامل ويحصل على تقاعد إضافة إلى الاحباط الناجم عما يعتبره الكثيرون ظاهرة الفساد في أوساط الطبقة السياسية.وربما تتصدر قضية الهجرة هذه القائمة ويرجع ذلك في جزء منه إلى حادث إطلاق النار الذي أسفر عن مقتل خمسة مهاجرين في مطلع شهر فبراير الماضي إضافة إلى كون إيطاليا المحطة الأولى بالنسبة إلى العدد الكبير من اللاجئين القادمين من إفريقيا وتشير التقديرات إلى وصول 600 ألف مهاجر إلى إيطاليا منذ سنة 2014. وتتقدم حركة الخمس نجوم في استطلاعات الرأي ومرشحها لرئاسة الوزراء السيد لويجي دي مايو وهو في الحادية والثلاثين من العمر، قام بحملة نشيطة ولكن حزبه ابتلي بعدد من الفضائح كما تأثر نتيجة افتقاره إلى الخبرة السياسية، حيث إنه لم يتمكن قط من تشكيل حكومة وطنية. وعلى الرغم من ذلك فإن هذا الحزب يحتفظ بدعم نسبة تقترب من 30 في المئة من الناخبين المحتملين ويحظى بدعم من مختلف الأوساط في إيطاليا، وخاصة في جنوب البلاد وبين الشبان الذين يشعرون باحباط نتيجة النظام الاقتصادي الذي يعتبرونه مخصصاً ضدهم.
عنصر مهمالعنصر المهم الآخر لدى حركة الخمس نجوم هو أن مؤسسها بيبي غريلو كان يرى منذ زمن طويل أن حزبه يجب أن يدخل الحكومة عبر أكثرية مطلقة تمكنه من تغيير النظام ومن ثم يقرر حل نفسه بعد أن يكون قد أنجز مهمته بنجاح. وفي ظل دي مايو يوجد القليل من الحديث عن الحصول على أكثرية مطلقة وأنه يجب أن يكتفي حزب الخمس نجوم بدلاً من ذلك بالفوز بعدد كبير من المقاعد ووضع نفسه في رئاسة ائتلاف حكومي.وتميل العصبة الشمالية وأخوة إيطاليا إلى الجناح المشكك في الوحدة الأوروبية وهما يعارضان الهجرة ويفضلان رؤية درجة أقل من التقشف في التمويل الحكومي. وعلى الرغم من حظر حصول برلسكوني على مناصب عامة في أعقاب ادانته بالاحتيال في الضرائب فهو أحد القوى الرئيسية في الانتخابات ويمكن إلى حد كبير أن يحقق ما يوصف بصانع الملوك في إيطاليا.الحزبان الباقيان هما بي دي والحرية والمساواة وهما من أنصار الاتحاد الأوروبي. ويقود حزب بي دي ماتيو رينزي الذي كان رئيساً للوزراء في الفترة ما بين 2014-2016 والمسؤول عن صنع الكثير من الإصلاحات الاقتصادية الصعبة التي حفزت التوسع الاقتصادي وقلصت معدلات البطالة كما ساعدت على استقرار النظام المصرفي في البلاد. ويشكل حزب بي دي والأحزاب المتحالفة معه حوالي 27 في المئة من الأصوات المحتملة فيما يشكل حزب الحرية والمساواة أكثر قليلاً من 5 في المئة في استطلاعات الرأي. وما يؤثر سلباً على حزب بي دي هو أن رينزي كان يعتبر الشخص الذي تخلى عن الكثير من مثاليات التقليد اليساري للحزب وهي الخطوة التي أفضت إلى ترك معظم أعضاء الحزب من جناح اليسار للحزب لتشكيل حزب الحرية والمساواة. ويأمل حزب بي دي في كسب أصوات المترددين الذين قد يقررون العودة إلى حزبهم نتيجة الخوف من تصرفات الأحزاب الأخرى في حال وصولها إلى السلطة.وفي ما هو أبعد من البيان المنقسم تأثر يسار الوسط أيضاً بموقف رينزي الذي كان يعتبر في الماضي أحد أكثر القادة السياسيين ديناميكية. وعلى أي حال، يعمل التقشف المرتبط بحكومته وشخصيته ضده. وكما لاحظ بيرو اغنازي وهو بروفسور العلوم السياسية في جامعة بولونيا فإن «الكثير من الإيطاليين يرون أن رينزي لا يحتمل وهو أيضاً الأقل شعبية بين رجال السياسة في إيطاليا... والثناء الذي صدر عن النخبة لم يترجم إلى نجاح انتخابي».والسؤال هو: أين يترك هذا كله إيطاليا؟ الحصيلة الأكثر توقعاً هي وجود برلمان معلق مع ثلاث كتل تصويت رئيسية: حركة الخمس نجوم ويمين الوسط بزعامة برلسكوني ويسار الوسط بزعامة حزب بي دي. ويمكن لهذا بدوره أن يفضي إلى فترة طويلة من المفاوضات حول ائتلاف عامل. وفي غضون ذلك يحق للرئيس تشكيل حكومة مؤقتة وإذا لم يتمكن أحد من تشكيل حكومة سوف تعود إيطاليا من جديد إلى الانتخابات النيابية.
السيناريو المحتمل
يتمثل أحد السيناريوهات المحتملة في تشكيل حزب الخمس نجوم مع مجموعة أحزاب برلسكوني في جناح اليمين وسوف تكون هذه الحكومة مثقلة بأحزاب مشككة في جدوى الوحدة الأوروبية إضافة إلى بروز البعض من الأسئلة الرئيسية المتعلقة بالسياسة الاقتصادية بما في ذلك تعامل ديون القطاع العام في المستقبل. ويمكن في هذه الحالة أن يظهر نوع من إعادة هيكلة الديون التي سوف تفضي إلى رد سريع من جانب وكالات التصنيف التي سوف تخلق مشكلة بالنسبة إلى إعادة تمويل ديون الحكومة الإيطالية وربما تحدث هزة في النظام المصرفي في ذلك البلد الذي لا يزال يتكبد أكثر من 200 مليار يورو من الديون المعدومة.ويتمثل السيناريو الآخر في تشكيل ائتلاف بين جناح اليمين لبرلسكوني وحزب بي دي ويمكن لهذا أن ينجح وقد لا يكون راديكالياً مثل الائتلاف الذي يشكله حزب الخمس نجوم. وعلى الرغم من ذلك، فإن مثل هذا التجمع يسار ويمين الوسط يجب أن يعمل من خلال شخصيات كبيرة مثل برلسكوني ورينزي ورئيس الوزراء المستقيل في حزب بي دي باولو جنتلوني وزعيم حزب العصبة الشمالية ماتيو سالفيني. وعلى الرغم من أن إيطاليا استطاعت تجاوز الكثير من العواصف السياسية فإن انتخابات مارس الجاري قد تعيد البلاد إلى عالم الائتلاف الحكومي الضعيف والفوضى المالية والنمو البطيء.يشعر الناخبون بالاحباط والغضب ويطلبون نوعاً من التغيير، وتكمن المشكلة في أن الخيارات السياسية والانسحاب من منطقة اليورو والعودة إلى الانفاق الواسع لن تحل مشاكل البلاد وقد يتسبب ذلك في خلق أزمة أخرى لإيطاليا وأوروبا التي تسعى إلى الخروج من جولة جديدة من مشاكل الديون السيادية. والمطلوب في هذه الحالة إجراءات جديدة تحرر أسواق العمل وتوفر فرص عمل أوسع للشباب تحفزهم على البقاء في بلادهم.
إيطاليا المحطة الأولى بالنسبة إلى عدد كبير من اللاجئين القادمين من إفريقيا وتشير التقديرات إلى وصول 600 ألف مهاجر إليها منذ 2014
رغم أن روما تجاوزت الكثير من العواصف السياسية فإن انتخابات غداً قد تعيد البلاد إلى الفوضى المالية وضعف الائتلاف الحكومي والنمو البطيء
رغم أن روما تجاوزت الكثير من العواصف السياسية فإن انتخابات غداً قد تعيد البلاد إلى الفوضى المالية وضعف الائتلاف الحكومي والنمو البطيء