كتبنا وما كتبنا...
نعرف أننا لا نستطيع الكتابة عن صاحب السمو الأمير، لأن ذاته مصونة لا تُمس، ولا يجوز التعرض لشخصه بالنقد، وهذه فاهمينها، وعلى راسنا من فوق سمو الأمير طال عمره، فهو رمزنا الذي نُقدر ونُجل، قبل أن يصون الدستور ذاته ومسنده، لكننا صرنا لا نستطيع الكتابة عن أي رئيس آخر بلا دستور ولا رمزية ولا ذات و"لا هم يحزنون". وكان يتعذر علينا الكتابة عن ولي العهد فهو أمير المستقبل، وهذه مسألة منطقية ومعقولة ومفهومة، فأصبحنا نؤمن بكل معقوليات ومنطقيات البلاد والشعوب الأخرى، وكنا نخشى الكتابة عن رئيس الوزراء فهو المتصرف بالأمور والمهيمن على مصالح البلاد والعباد، و"عينه الحمرا" قد تصيبنا وتعرقل حياتنا أكثر مما هي عليه. وتغير الرئيس واستمرت الخشية كما هي وزيادة "حبتين"، وكان يستحيل علينا الكتابة عن رئيس مجلس الأمة السابق المرحوم جاسم الخرافي لحسابات وحساسيات خاصة، فجاء مرزوق الغانم وازدادت الحسابات والحساسيات رسوخاً وتشابكاً. وكنا نجد صعوبة في الكتابة عن أعضاء مجلس الأمة، فهم مشرعون وليسوا تنفيذيين، كما أن بعضهم أكثر ضراوة وقمعاً من السلطة، وكذلك لكي لا يزعل الإسلاميون والليبراليون والشيعة والسُّنة والبدو وكل من له ممثل بالمجلس، فوصلنا إلى درجة يصعب معها الكتابة حتى عن الناخبين؛ لئلا يزعل ممثلوهم بالمجلس وعزوتهم وجماعتهم وأهلهم وزوجاتهم، وكنا نتوجس خيفة عند الكتابة عن الوزراء حتى لا توبخنا إدارات العلاقات العامة لديهم و"نطلع" نحن المخطئون بالنهاية، فصاروا يكسرون خواطرنا ولا نريد الكتابة عنهم من حيث المبدأ، كما كنا نمنع من الكتابة عما يحدث بالخارج حتى لا نعكر صفو العلاقات بيننا وبين الدول الشقيقة والصديقة، فصارت العلاقات متعكرة أساساً ولا تنتظر كلامنا، ومازال المنع قائماً، وكنا نخاف من الكتابة عن العادات والتقاليد البالية حتى لا نتهم بهدم أسس وقيم المجتمع أو الانتقاص منها، فزادت قوائم عاداتنا وتقاليدنا ومخاوفنا معها.وكانت أخلاقنا وفطرتنا تمنعنا من المساس بالله جل في علاه وأنبيائه ورسله، والآن لا يحق لنا مجرد التفكير في مقاربة أحوال الصحابة وآل البيت، وأظن أننا على هذا المنوال سنصل بالتسلسل في يوم ما إلى تحصين صالح النهام ووليد الطبطبائي، وكانت الشمس تحرقنا بالصيف فقط، فصار بعضنا يحرق نفسه في كل الفصول والمواسم، وكنا نتردد في الكتابة عن اللعب بالبورصة وتناسل الشركات فيها، كي لا نتهم بزعزعة الثقة بالوضع الاقتصادي للبلاد، أو التأثير على الحالة الاقتصادية للدولة وإثارة "البلبلة" عن وضعها المالي والتجاري، فماتت البورصة وأصبحنا نحن من لا نريد الكتابة عنها أصلاً.
وإلى مزيد من التقدم والحريات...