تناولت في أعمالك قضية الإرهاب وأضرار التدخين وكثيراً من القضايا المهمة. إلى أي مدى تُحدث مثل هذه الأعمال تأثيراً حقيقياً في المجتمع؟

Ad

سؤال مهم. خلال زيارتي الأخيرة إلى لبنان طُلب مني ترشيح فكرة لرسالة دكتوراه، واقترحت هذا الموضوع. في تقديري، الشعوب العربية في حالة تغييب كامل. تنفذ القوى الغربية مخططاً وضعته منذ مئات السنين ويتحقّق بشكل مدهش. لذلك أرى أن الأعمال الإبداعية في المجتمعات العربية مجرد صرخات في الهواء، إذ لا يتعدّى تأثيرها الثقافي والفني التأثير الاستهلاكي، أي التعاطي مع الفن التافه، والإنتاج الذي يُقدم للشعوب العربية يشهد على ذلك.

«الغزاة»

تُعد لوحة «الغزاة» أحد أهم أعمالك الأخيرة. حدثنا عن تفاصيلها، ولماذا اخترت رسمها بالقلم الرصاص؟

أعتبر لوحة «الغزاة» درة أعمالي لأنها تتضمّن رؤية معينة وأسلوباً متفرداً تماماً في طريقة التنفيذ، وتشتمل على تكوين صعب يعجز أي شخص آخر عن القيام به، من حيث تكديس الموضوعات والأهداف. فهذا العمل ليس مجرد رسم لوحات، بل الهدف تقديم قيم وأفكار.

في هذه اللوحة عبّرت عن غزاة مصر كلهم، سواء كانوا الغزاة التاريخيين المعروفين من قديم الزمان، أو غزاة القيم والمعاني الجدد الذين يتركون آثاراً سلبية في المجتمع. كذلك اعتبرت المسؤولين عن انهيار التعليم والنظافة، والمتحرشين جنسياً من الغزاة أيضاً.

و{الغزاة» إحدى اللوحات الضخمة التي يصل عرضها إلى نحو مترين ونصف المتر، ما يحتاج إلى جهد بدني كبير وليس مجهوداً فنياً فحسب. وضعت فيها ملامح الإنسان المصري وأحواله وكل ما يتعلّق بالمجتمع المصري. هي في الحقيقة تمثِّل حلقة مهمة من سلسلة شهادتي على مصر، لأنني أقدِّم الأعمال الفنية باسم «شاهد على مصر»، وهو اسم أطلقته على أحد معارضي.

كم من الوقت استغرق تنفيذ هذه اللوحة الفنية المتميزة؟

مسألة الزمن في العمل الفني ليست مقياساً للإبداع. قد تستغرق اللوحة سنوات من دون أن تقدم أي جديد، بينما يمكن إنجاز لوحة فنية عظيمة في يوم واحد. مثلاً، رسم دافنشي لوحة «الموناليزا» في سبع سنوات بينما أنجز فان غوغ في ثماني سنوات 900 لوحة. من ثم، الزمن ليس الفيصل ولكن الأساس هو المنتج النهائي.

الخيل الأصيل

ما سبب ولعك الشديد برسم الخيول؟

كان الحصان وما زال ملهماً للفنانين. امتلأ تاريخ الفن العالمي بروائع الأعمال المستوحاة من تكوينات هذا المخلوق ومعانيه، فهو أحد أهم المخلوقات التي سخّرها الله للإنسان، بل إن الحضارة الإنسانية قامت على ظهور الجياد. لكن للأسف، لم يهتم الفن المصري أو العربي المعاصر عموماً بالحصان الاهتمام الكافي.

يُعتقد بأن الأحصنة كافة تعود إلى الأصول العربية، التي تتميز بملامح متفردة وتكوين عضلي مختلف، وطبيعة نفسية لافتة. ومع توغّلي في دنيا الحصان العربي، وجدت أن الفنانين العرب، باستثناء قليل منهم، لا يهتمون بجمالياته، وظهر لي مدى الظلم البيِّن الذي يقع على تاريخه الفني، خصوصاً في ظل انتشار العشوائية الفنية، وضايقتني إساءة بعض الفنانين إلى الحصان برسمه بما يشوّه صورته، فيظهر على هيئة سلحفاة أو ماعز أو بومة، كذلك لم يقدم المصورون للحصان ما يليق به. ذلك كله دفعني إلى توجيه موهبتي لخدمته.

كيف تختار الألوان والشخصيات الملائمة للفكرة؟

أشدّد على التنوع التعبيري في رسم الوجوه. من بين لوحاتي «شاهد على مصر الفساد» التي فشلتُ في إحصاء عدد الوجوه التي تضمنتها. عندما أعمل أكون في حالة من الاستغراق الكامل لدرجة أنني عندما أنتهي من اللوحة وأنظر إليها أجد أنها تتضمّن أشكالاً وتكوينات ورسومات لم أرها قبل ذلك، لكنني أبدعتها في لحظة التجلي الفني التي تشبه الانفصال عن الواقع، فهي عبارة عن حالة من الانصهار الوجداني.

كذلك لوحة «المولد» التي رسمتها بالقلم الرصاص تتميّز بتنوع كبير، حيث لا تجد وجهاً واحداً أو تعبيراً يتكرر، وهذا المخزون الكبير لديَّ يرجع إلى غرامي الشديد منذ مرحلة الطفولة بتفحص وجوه البشر والتعرف إلى مشاعرهم من بعيد خلال تنقلي في المواصلات العامة، خصوصاً أثناء دراستي في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة. كنت أتفحص وجوه الركاب خلال رحلتي إلى الكلية كأني أحصيها، وكنت أتخيل شخصيات اعتبارية لها. كذلك أحبّ رسم الحيوانات وإظهار تعابير وجوهها وأحاسيسها بشكل لا يختلف عن البشر.

الدخلاء

ما أسباب التشابه في أعمال فناني الكاريكاتير في الآونة الأخيرة؟

يكمن السبب الرئيس في أن من يمارسون فن الكاريكاتير راهناً ليسوا في معظمهم من المتخصصين، بل هم دخلاء على المهنة. من ثم، أصبحنا إزاء شكل واحد من الكاريكاتير يعتمد على الخطوط البسيطة، فيما لجأ البعض إلى النقل عن فنانين آخرين أو قدماء أو أجانب. هكذا يتحوّل الفنان إلى آلة لا تجيد سوى رسم شخصيات بطريقة نمطية. فضلاً عن ذلك، ثمة من يستقون الأفكار من مجلات قديمة أو كتب عن الكاريكاتير. لذلك نجدهم متشابهين أو يدورون في دائرة واحدة. ولا ننسى التسهيلات التي قدمتها برامج الكمبيوتر من خلال الأشكال المعدة سلفاً، وللأسف الشديد أصبح المتلقي لا يستطيع التفرقة بين الجيد والرديء، لأنه لا يملك ثقافة التذوق.

ما المطلوب للارتقاء بفن الكاريكاتير؟

الكاريكارتير أحد الفنون التي ليس لها برنامج دراسي، وأي حديث عن مدارس وورش للكاريكاتير يدخل في إطار التهريج، وهو ادعاء ليس له قيمة. الكاريكاتير طريقة تفكير وليس مجرد رسم، والرسام الحقيقي يملك ذكاءً شديداً وقدرات معينة كدقة الملاحظة وخفة الظل والقدرة عى قراءة الواقع واستشراف المستقبل. ولما كانت هذه صفات هبة من الله وليست مصنوعة، فإن هذا الفنان يتميز بأسلوب فريد ويعجز الآخرون عن تقليد أعماله نظراً إلى صعوبتها، وهو قادر على تقديم رؤية معينة.

الكاريكاتير ليس، كما يتصوّر البعض، رسماً للنكات، بل يعبِّر في الحقيقة عن رأي ووجهة نظر في قضايا المجتمع.

معارض وإصدارات

اكتسب فنان الكاريكاتير إبراهيم حنيطر خبرته الطويلة في هذا المجال من دراسته في كلية الفنون الجميلة التي تخرج فيها عام 1973، ومشاركاته في تأسيس مجلات متخصصة عدة بفن الكاريكاتير في مصر وعدد من الدول العربية.

أقام حنيطر معارض عدة في مصر كان آخرها «ابتسامات الحرب» في مركز الدبلوماسيين الأجانب، ومعرض «شاهد على مصر» في قصر الأمير «طاز» ومعرض الغزاة بمركز الهناجر. كذلك شارك في معارض دولية عدة كمعرض الفن المصري المعاصر في المتحف الوطني الروماني في رومانيا، ومعرض «ابتسامات مصرية» في بينالي غابروفو لفنون الفكاهة والسخرية في بلغاريا.

صدرت له مؤلفات عدة من بينها كتيب «أنا ولعبة اسمها الكاريكاتير»، ودراسة «الكاريكاتير شاهد على مصر»، وكتب «نحارب ونبتسم بالكاريكاتير، وحكاية مصر والإخوان، والإرهاب»، وأسهم كذلك في تقديم برامج تلفزيون معنية برسوم الكاريكاتير والفنون التشكيلية.