أشباح هذه المقبرة
![ناصر الظفيري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1497859964459581700/1497859964000/1280x960.jpg)
في تجربة دخيل الخليفة الأخيرة (أعيدوا النظر في تلك المقبرة)، والتي اقتبست منها القطعة أعلاه، هناك عمل مُحكم يستخدم فيه الشاعر الصورة المبتكرة، بعيدا عن الخطابية والمواجهة المباشرة مع المعاناة الوجودية التي يعيشها ويعيشها معه رفاقه في أتون القهر اليومي. في كل لوحة فنية وكل قطعة موسيقية هناك إطار من ألم ليس هو همّ القصيدة الأكبر، لكنه عالمها الذي يحيط بها، حزنها الذي يتقاطر بين أسطرها، وعلى القارئ أن يُعيد النظر في القصيدة/ المقبرة."لا أبحث عن مفردةٍ تحت غبار النص/ ولا عن نهرٍ تركني حقلاً يابساً/ آمنتُ أن المقبرة/ شرفة لحكايات لم يروِها الموتى"الذين غادروا وهم يحملون همومهم إلى مقابرهم في البلاد وخارجها كانوا كتبا وحكاياتٍ لم يسعفهم الوقت والألم لأن يخبرونا بها. غادروا وفي جوف كل قفص صدري كتاب من ألم وخيبة. في كل صورة يرسمها دخيل هناك قراءتان: أولى للشعر وعطشه للفن الشعري وصوره الفنية، وثانية لنا نحن الذين نرى ما هو خلف هذا الفن الشعري، نحن الذين نحفر قبورنا بمعاول اليأس، وننتظر لحظات النهاية ندفن حزننا وحكاياتنا التي لم يستمع لها سوانا."في المقبرة/ الموتى تسللوا من قلب الحارس / ميت كان يحلم أن يتدثر بالنجوم/ ميت يحك حزنه بجدار معتم/ ميت يتحدث عن شجرة صغيرة / أهلها يسرقون أوراقها/ ميت ينتظر برتقالة في مهد رَجل/ ميت بلا ملامح/ ولا عنوان ثابت/ ميت باسم مزوّر!".عن ديوان "يد مقطوعة تطرق الباب" لدخيل الخليفة قبل سنوات كتبت هنا عن قدرة الشاعر على الإمساك بـ"ثيمته" التي يريد، وكانت ثيمة أطلق عليها باختين وكريستيفا "Grotesque"، وثيمة الوجع Agony، التي لازمت الشاعر الخليفة في هذا الديوان تذكرني بنوفيلا "موت إيفان إيليتش" لتولستوي، والتي كتبها وهو في منتصف الخمسينيات من عمره عن رجل يعيش أيامه الأخيرة، لكن تولستوي عاش بعد النوفيلا خمساً وعشرين سنة. ربما الشاعر هنا أصدق من الروائي وهو يرى أن حياته التي يعيشها تحت هذا الظرف العبثي والساخر ما هي إلا مقبرة متنقلة تتساوى معها الأيام التي سيتنفسها لاحقا."الأرض/ قبر كل نجمة خضراء/السماء التي تستظل بضحاياها /كفن كل ومضة بانتظار الحصاد".