أسدلت أعلى محكمة في مصر الستار أمس على النزاع القضائي بشأن اتفاقية تسليم جزيرتي تيران وصنافير، الواقعتين في مدخل خليج العقبة بالبحر الأحمر، للسعودية، وقضت بعدم الاعتداد بالأحكام القضائية الصادرة، سواء من المحكمة الإدارية أو القضاء المستعجل، بشأن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، باعتبارها من «أعمال السياسة» التي تختص بها السلطة التنفيذية للحكومة، والسلطة التشريعية لمجلس النواب، ولا تخضع لولاية القضاء.لكن المحكمة التي فتحت الطريق أمام الحكومة المصرية لتطبيق الاتفاقية، التي أقرها مجلس النواب أيضا، دون أي عوائق، احتفظت بحقها في مراقبة الاتفاقية عقب نفاذها وتحولها إلى معاهدة، بموجب القانون والدستور.
وأوضحت أن الدستور يخول القضاء مراقبة المعاهدة من وجهين، الأول: رقابة استيفائها للشروط الشكلية المقررة في الدستور، الثاني: الرقابة الموضوعية للمعاهدة، وهي رقابة تجد موجباتها في نص الفقرة الأخيرة من المادة 151 من الدستور، التي حظرت مخالفة المعاهدة جميع أحكام الدستور، وهذه الرقابة القضائية على المعاهدات، من وجهيها، هي رقابة دستورية وليست مشروعية، وهي، بهذه المثابة، منوطة استئثارا بالمحكمة الدستورية العليا، لا تشاركها فيها جهة قضائية أخرى أيا كانت.
حيثيات المحكمة
وأودعت هيئة مفوضي الدستورية تقريرها في الشق الموضوعي، وتضمن توصيتين؛ الأولى بعدم قبول دعوى التنازع (بين الجهات القضائية) لانتفاء المصلحة، والثانية بعدم الاعتداد بالأحكام الصادرة من مجلس الدولة والأمور المستعجلة على حد سواء.وكانت هيئة قضايا الدولة أقامت دعوى تنازع تطالب بعدم الاعتداد بالحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري، والمؤيد من المحكمة الإدارية العليا ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، واستمرار تبعية جزيرتي تيران وصنافير للسيادة المصرية، والاعتداد بالحكم الصادر من محكمة مستأنف الأمور المستعجلة بعدم اختصاص مجلس الدولة بنظر النزاع.وأوقفت المحكمة الدستورية، في وقت سابق، حكمين متناقضين بشأن الاتفاقية التي تم توقيعها في 2016، وتتضمن انتقال السيادة على الجزيرتين الواقعتين بخليج العقبة في البحر الأحمر إلى الرياض. وكانت المحكمة الإدارية العليا أيدت في أبريل الماضي حكم القضاء الإداري ببطلان توقيع ممثل الحكومة على «تيران وصنافير»، بينما قضت محكمة الأمور المستعجلة بسقوط أسباب حكم القضاء الإداري.إلى ذلك، تستعد القاهرة اليوم لاستقبال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في زيارة تستغرق 3 أيام يتوقع أن يجري خلالها مباحثات شاملة حول عدد من الملفات ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، ويستهل بن سلمان من القاهرة أول زيارة خارجية له منذ توليه ولاية العهد.ملفات
وتوقع مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير هاني خلاف، أن قضية مكافحة الإرهاب ومستقبل القضية الفلسطينية سيكونان في مقدمة الملفات المطروحة على طاولة المباحثات بين الرئيس عبدالفتاح السيسي والأمير بن سلمان.وأشار خلاف إلى أن ملف التمدد الإيراني في منطقة الشرق الأوسط سيكون من بين الملفات المطروحة، وكذلك تطورات الوضع في اليمن وسورية، وسيتطرق ولي العهد السعودي خلال زيارته لتطورات العلاقات الثنائية بين القاهرة والرياض وجسر الملك سلمان، وما يمكن أن تقدمه السعودية من مشروعات لتنمية سيناء.وفي وقت سابق، صرح السفير بسام راضي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، بأن الرئيس سيستقبل بن سلمان «ليحل ضيفا عزيزا على وطنه الثاني مصر».بدوره، رأى الخبير الاستراتيجي السعودي أنور عشقي زيارة بن سلمان للقاهرة مهمة جدا، خاصة أنها تأتي للتشاور بين أكبر دولتين عربيتين، قبل زيارته للندن وواشنطن.وقال عشقي، في تصريحات أمس، إن الأمير محمد «سيناقش في لندن أزمة اليمن، حيث تعتبر بريطانيا من أكثر الدول معرفة باليمن»، متابعا: «بلا شك، بريطانيا والولايات المتحدة تتفقان في رؤيتهما مع الرياض، حول التدخل الإيراني، وتزويد الحوثيين بالصواريخ البالستية لتهديد المنطقة».عودة سودانية
في هذه الأثناء، أكد وزير خارجية السودان إبراهيم غندور، أمس، أن بلاده ستعيد سفيرها إلى القاهرة غدا، بعد شهرين من سحبه، وسط توتر متزايد في علاقات البلدين.وقال غندور، في تصريحات أمس، إن «علاقات الشعبين والبلدين تاريخية، والحفاظ عليها مسؤولية، ووضعها في الطريق الصحيح واجب».ولم تعلن الخرطوم سبب سحب السفير عبد المحمود عبدالحليم أوائل يناير الماضي، لكن نزاعات حول السيادة على مثلث حلايب وشلاتين الحدودي، وشكوكا مصرية حول اتفاق بحري بين السودان وتركيا تسببت في تصدع العلاقات.وشهدت القاهرة اجتماعا لوزيري خارجية ورئيسي جهازي مخابرات البلدين في فبراير الماضي لتخفيف التوتر في العلاقات. وكان السودان اتهم مصر العام الماضي بالتدخل في شؤونه الداخلية، وأوقف واردات المنتجات الزراعية المصرية.بدوره، قال السفير السوداني عبدالمحمود عبدالحليم، إنه سيعود إلى القاهرة لممارسة عمله، «في إطار التزام جديد بحل وحلحلة كافة القضايا»، التي أدت لاستدعائه للتشاور.وقال عبدالحليم، في تصريحات لوكالة «الأناضول»، إن عودته «لا تعني أن القضايا حلت، بل إن هناك التزاما جديدا بحلها، ويحدونا الأمل في التغلب على كل القضايا العالقة والشواغل».وذكر أن الجانب السوداني طرح ملاحظاته خلال اجتماعات اللجنة الرباعية بين البلدين أخيراً في القاهرة، حيث تم الاتفاق على خريطة طريق لمعالجة خلافات «سيادية وحدودية وسياسية وأمنية وقنصلية وإعلامية» ومنع تفاقمها.