جبل الحكومة لم يتمخض ليلد فأراً وإنما ولد مسخاً مزدوجاً من القمع والجهل، المقصود هو تلك التعديلات لقانون أمن الدولة التي قدمتها الحكومة للمجلس، كأنها تقول للناس إن نصوص قانون أمن الدولة متسامحة ولينة أكثر من اللازم، ولابد من تعديلها بإسقاط سلطة المحاكم في تقدير العقوبة، كوقف تنفيذها أو الامتناع عن تطبيقها. وكان عذرها أن قوانين أمن الدولة تهدف إلى المحافظة على "النسيج الاجتماعي"!يعني السلطة بعد أن تلاعبت بالدوائر الانتخابية عدة مرات من 10 إلى 25 ثم إلى 5، وقسمت الكويت إلى مناطق قبلية وطائفية وفئوية، وغيرت آخر الأمر من قانون الانتخاب من 4 أصوات إلى الصوت الواحد، تأتي لتحاضر الناس عن "النسيج الاجتماعي" في مشروع قانون قمعي يهدر أبسط حقوق الناس، ويستلب من القضاء سلطته التقديرية، ما هو النسيج الاجتماعي وكيف تفهمه السلطة بعد "خراب البصرة"؟ فأي نسيج اجتماعي وأي بطيخ تشرعه الحكومة من محلات نوفوتيه بموضة قديمة مستهلكة استوردت الحكومة فيها بضاعتها التشريعية من فقهاء دول قمعية تعتبرها السلطة مصدر ثرائها القانوني؟!
عدد من النواب أبدوا رفضهم لمشروع الحكومة، لكن يظل خطر إقرار تلك التعديلات باقياً ما بقي حزب الأكثرية البصمجية في هذا المجلس، وطالما ظل الوعي العام بالحرية والحق عند حاله البائس في الدولة.نحن بحاجة في هذا الزمن المرعب على الحريات الذي يلقى الشباب به في السجون أو يتم "تطفيشهم" للخارج، إلى ألا تكون مواقف النواب مجرد ردود فعل لعبقريات مشاريع الحكومة، وإنما يجب أن يتم العمل بفعل إيجابي لتعديل الكثير من القوانين القمعية في الدولة، وأولها المادة الرابعة من قانون أمن الدولة الخارجي التي قيدت القضاء بحد أدنى "لا يقل عن ثلاث سنوات"، وتركت تحديد عبارة "العمل العدائي" ضد دولة أجنبية عائماً غير منضبط، حتى اعتبرت الكثير من الأحكام القضائية التعبير بالتغريدات أو غيرها من وسائل التواصل الاجتماعي بنقد نظام دولة أجنبية ما "عملاً عدائياً"، وصدرت أحكام تقترب مدة العقوبة فيها إلى نصف قرن، لمجرد تغريدة بسيطة هي في النهاية كلمة أو ثلاث كلمات، تعبر عن رأي صاحبها لا أكثر، وهناك مواد كثيرة في قوانين الكرب يجب أن يلفت لها النواب.قولوا "كفاية" لحفلات القمع والإخراس بالإرهاب المزدوج لحرية الضمير الذي يأتي من الأعلى ممثلاً في السلطة عبر التشريعات الدراكونية، مثل مشروع تعديل عقوبات قانون أمن الدولة الأخير، أو يأتي من الأسفل ومن قوى انتهازية تزايد على عقائد الناس تريد أن تظهر نفسها بصورة البطل حامي الدين والعقيدة، بينما همها الكبير هو البروز الاجتماعي والسياسي. لنقل يكفي كل هذا الآن، لتنتبه السلطة بمجلسيها إلى هم الاقتصاد والمالية وتدهور التعليم وتراجع الدولة في كل مؤشرات الفساد، لتنتبه هذه السلطة لكل تلك الهموم والتحديات الحقيقية الكبيرة بدلاً من إشغالنا بمثل تلك السخافات القمعية وأدب أورويل "الأخ الأكبر يراقبك"، كفاية لحفلات مطاردة الساحرات، فقد مضى عليها الزمن من قرون وأنتم مازلتم ترعبون طلاب الضمير بحرقهم على صلبان الحمق والجهل والرأي الواحد.
أخر كلام
كفى لحفلات مطاردة الساحرات
04-03-2018