وسط حفاوة بالغة واهتمام رسمي مصري واضح، بدأ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان زيارة رسمية إلى مصر أمس، وهي الزيارة الأولى له منذ توليه منصب ولي العهد، في يونيو 2017، وهي أول جولة خارجية له، إذ يتوجه بعد زيارته لمصر التي تستمر 3 أيام، إلى بريطانيا ثم الولايات المتحدة الأميركية، وقبل أسابيع قليلة من قمة جامعة الدول العربية المقررة في الرياض نهاية مارس الجاري.واستقبل الرئيس السيسي ولي العهد السعودي في مطار القاهرة الدولي، فور وصوله أمس، إذ أجريت له مراسم استقبال رسمي، بدأ الزعيمان بعدها قمة ثنائية لمناقشة ملف العلاقات الثنائية بين البلدين، في ظل التحالف الواضح بين البلدين منذ ثورة "30 يونيو 2013"، إذ تعد السعودية من أكبر الداعمين للنظام المصري سياسيا واقتصاديا، كما تشارك القوات المصرية في عمليات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، والذي تقوده الرياض.
القاهرة لم تخف اهتمامها بزيارة حليفها الأهم في المنطقة، إذ قال المتحدث باسم الرئاسة المصرية، بسام راضي، في تصريحات إعلامية، إن زيارة بن سلمان من الزيارات المهمة جدا، خصوصا أنها أول زيارة خارجية لمحمد بن سلمان منذ توليه منصب ولي العهد، مشددا على أن الزيارة محطة تاريخية في مسيرة العلاقات المصرية - السعودية، فيما قال مصدر مطلع إن القمة شهدت مناقشة ملف القمة العربية المقبلة وسبل مكافحة الإرهاب، فضلا عن حل أزمات المنطقة.وتشهد العلاقات المصرية - السعودية زخما في الآونة الأخيرة، متجاوزة بعض العقبات التي شابتها في أوقات مختلفة، إذ تتقابل رؤى الرياض والقاهرة في عدد من الملفات خاصة مكافحة الإرهاب ومواجهة جماعة الإخوان الإرهابية، فضلا عن اشتراك الدولتين مع الإمارات والبحرين بمقاطعة دولة قطر، المعلنة في يونيو الماضي، فضلا عن نظرة الريبة المصرية السعودية من تدخلات تركيا وإيران في المنطقة العربية.وتشمل زيارة ولي العهد السعودي محطات عدة، إذ يشهد مع الرئيس السيسي عرضا مسرحيا بدار الأوبرا المصرية اليوم، فيما يتوقع أن يتجه الزعيمان إلى محافظة الإسماعيلية لتفقد المشروعات القومية الكبرى التي تنفذها مصر في منطقة قناة السويس، بما في ذلك الأنفاق التي تربط سيناء بوادي النيل، فضلا عن تفقد عمليات الإنشاء بمدينة الإسماعيلية الجديدة، ومن المنتظر أن تشهد الزيارة جولة بحرية في المجرى الملاحي على شرف ولي العهد السعودي.
زيارة الكاتدرائية
وسيزور ولي العهد السعودي شيخ الأزهر، الإمام الأكبر أحمد الطيب، في مقر المشيخة بقلب القاهرة الإسلامية، في حين تجذب زيارته المرتقبة لمقر الكاتدرائية المرقسية بالعباسية للقاء بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية تواضروس الثاني، الأنظار اليوم، إذ تعد أول زيارة على الإطلاق لمسؤول سعودي رفيع المستوى.من جهته، قال المتحدث باسم الكنيسة الأرثوذكسية، بولس حليم لـ "الجريدة"، إن الزيارة التاريخية لولي العهد السعودي ستتم في حدود الساعة الرابعة من عصر اليوم، مضيفا: "الزيارة تعبر عن طبيعية العلاقة الوطيدة بين مصر والسعودية، والتي تتميز بالثبات خصوصا في الأوقات العصيبة التي تمر بها المنطقة"، مشددا على أن زيارة ولي العهد السعودي تعد اعترافا من الرياض بالدور التاريخي للكنيسة المصرية، باعتبارها أكبر كنيسة في الشرق الأوسط، مشيدا في الوقت ذاته بالخطوات الإصلاحية لولي العهد السعودي التي تقدم "صورة جديدة لسعودية منفتحة على العالم".ترامب والسيسي
في غضون ذلك، قال المتحدث باسم الرئاسة المصرية، أمس، إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اتصل بالرئيس السيسي لمناقشة تطورات الوضع الإقليمي المتأزم بهدف التوصل إلى تسويات سياسية.وأضاف المتحدث في بيان "تم خلال الاتصال التباحث حول سبل تطوير مختلف جوانب العلاقات المصرية - الأميركية والارتقاء بها على الصعد المختلفة، في ضوء ما تتسم به من طابع استراتيجي".عودة سفير
من جانب آخر، أنهت سلطات مطار القاهرة الدولي استعداداتها، أمس، لاستقبال سفير السودان بالقاهرة، عبدالمحمود عبدالحليم، اليوم، وذلك بعد نحو شهرين من استدعاء الخرطوم له مطلع يناير الماضي، بسبب توتر غير مسبوق واتهامات متبادلة بين القاهرة والخرطوم، فضلا عن تراشق إعلامي بسبب شكوك متبادلة ومخاوف معلنة بين دولتي وادي النيل.وأعلن وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، عودة سفير بلاده إلى القاهرة بداية من اليوم، فيما صرح عبدالحليم بأن عودته إلى القاهرة لممارسة عمله في إطار التزام جديد بحل وحلحلة كل القضايا التي أدت إلى استدعاء الخرطوم له للتشاور.وتعد عودة السفير علامة لا تخطئها العين عن تحسن طفيف في العلاقات بين مصر والسودان، والتي شهدت تدهورا سريعا في الأشهر الأخيرة، وصل إلى قمته باستياء مصري معلن من تقارب سوداني - تركي - قطري، كُلل باتفاق بحري يسمح لأنقرة باستخدام جزيرة سواكن السودانية المطلة على البحر الأحمر الذي يعد بحيرة مصرية سعودية، فيما اتهمت الخرطوم جارتها الشمالية بتمويل معارضين بالسلاح وحشد قوات على حدود السودان الشرقية مع إريتريا.من جهته، حلل رئيس وحدة دراسات حوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، هاني رسلان، خطوة عودة السفير السوداني على مستقبل العلاقات المصرية - السودانية، قائلا لـ "الجريدة": "عودة السفير تنهي مرحلة من التوتر غير المسبوق بين البلدين، لكنها لا تنهي الأزمات الكامنة بين دولتي حوض النيل، لأن الخلاف عميق وجوهري ولا تزال مسببات الأزمة قائمة، في ظل عدم رغبة أي من الدولتين التنازل عن مواقفها".الرئيس يصطحب ولي العهد إلى «سلم نفسك»
وسط أجواء احتفالية لتكريم الضيف السعودي رفيع المستوى، يشهد الرئيس عبدالفتاح السيسي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، العرض المسرحي "سلم نفسك"، بالمسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية بوسط القاهرة، اليوم، في لمحة تؤكد الحفاوة المصرية بالأمير السعودي من جهة، ولتشجيع الشباب المصريين المبدعين من جهة أخرى.ويناقش العرض بأسلوب ساخر وفي لوحات و"اسكتشات" متتالية، المشاكل التي تعصف بالمجتمع المصري المكون من نحو 100 مليون نسمة، والسلبيات التي طرأت عليه في الأعوام الأخيرة، من العنف ضد المرأة، وغياب التواصل الأسري في ظل طغيان وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت عدوا للحميمية الأسرية، فضلا عن بقية الأزمات التي تواجه المواطن المصري في حياته اليومية.كما يتناول العرض بشكل ساخر أزمة الإهارب وتجنيد جماعات التطرف للشباب تحت شعارات زائفة، عبر استغلال أحد الإعلانات القديمة ليقدم من خلالها مشهد "لو نفسك تدخل الجنة... وحاسس إنك محتار... اتصل بنا تتهنى"، إذ يهدف العرض إلى تقديم الوجه الحقيقي لمصر كحضارة عريقة تلفظ الإرهاب وتعانق الفن والحياة.ويعد مخرج العرض خالد جلال، رئيس قطاع الإنتاج الثقافي بوزارة الثقافة، من أبرز المسرحيين في تناول مشكلات المجتمع المصري التي طفحت على السطح، وحقق عرضه الأخير "سلم نفسك" نجاحا كبيرا في الأشهر القليلة الماضية، عبر إعطاء مساحة للممثلين لكي يرتجلوا ويقدموا لمحاتهم مما يعطي العرض المسرحي واقعية ساحرة وساخرة.