«فينومينولوجيا جان-لوك ماريون»... فلسفة تتجاوز ثقافة المادية
صدر للدكتورة باسكال تابت كتاب «فينومينولوجيا جان-لوك ماريون» ويتمحور حول فلسفة ماريون القائمة على مبدأ التشبع الذي من شأنه أن يغير العالم ويجعله أكثر عدالة وسلاماً، ويطاول إنسانية جديدة تتحرر من كل ثقافة قاسية وتفردية وتقسيمية، يفرضها عصر ومجتمع تسودهما المادية وقلة الإنسانية، وينطلق ماريون في ذلك كله مما يسميه «حب العطاء» الذي يعتبره القاعدة الأولى الواجب أن تتحكّم في العلاقات...
تنطلق الدكتورة باسكال تابت في كتابها «فينومينولوجيا جان-لوك ماريون» من السؤال التالي: «إذا كانت الظاهرانية تختزل بما نراه فأي معنى للحياة بعد؟ أي معنى للفلسفة التي تبحث منذ نشأتها عما هو خفي وراء الظاهر أي على ما يؤسس الظاهر؟».توضح في هذا السياق: «أبرزت نقد جان-لوك ماريون للميتافيزيقا التي حددت الفلسفة خلال عصور وفرضت على ظهور العالم شروطاً مسبقة، مقيمة عقلانية ضيقة ومحدودة إلى حد أن كل ما لا يخضع لأسبقيات الميتافيزيقا يلقى خارج حقل المرئي والعقلاني». تضيف: «إن ما يخضع لأسبقيات الميتافيزيقا هي الموضوعات التي يستطيع المرء أن يكونها قصدياً والتي لا تتخطى انتظار عقلنا. من هنا نطرح إشكالية أساسية: كيف يمكن هذه الموضوعات أن تلمسني أنا الذي لست موضوعاً من بين الموضوعات، أنا الموجود كجسد يدخل العالم بإحساسه وبتأثره، وهو يختلف عن الأجسام الطبيعية بقدرته على التأثر؟ من هنا، لاحظ جان-لوك ماريون أن ما يغيب عن فينومينولوجيا هوسرل وهايدغر هو العطاء، أي أن كل ظاهرة تعطي ذاتها قبل كل شيء».
قلب المبادئ
يتضمّن الكتاب أقساماً ثلاثة: في القسم الأول حاولت الكاتبة درس فينومينولوجيا العطاء المشبع الجذرية عند جان-لوك ماريون الذي قلب كل مبادئ الفينومينولوجيا التاريخية ليفهم العطاء بعيداً من مفهومه العام الشائع، العطاء الذي لا يمكن فهمه من خلال التبادل بل من خلال اختزال المعطي والمعطى له والعطية عينها التي ليست موضوعاً بل ظاهرة لا ترى بأعين العالم - كظواهر الحب والأبوة والاستشهاد والوقت، الخ...في القسم الثاني، تناولت الاختزال الجذري الذي يقوم به جان-لوك ماريون في قلب فينومينولوجيا العطاء الجذرية، وفيه يبين أن الحب لا يخلو من العقلانية بل يتمتع بعقلانية أكبر، لا بل إنه العقلانية الكبرى التي تحوي كل شيء. الحب ظاهرة تختلف عن كل الظواهر-الموضوعات بكونه «ظاهرة مشبعة» أي فيض من الحدس على القصدية. يعطي الحب ذاته بلا مقابل، بمجانية مطلقة حتى بذل الذات فيقلب بذلك منطق العالم ويعطي للآخر فرديته. الحب هو الحقيقة التي تتيح لنا رؤية ومعرفة ما لا يظهر.في القسم الثالث تبين الكاتبة أن التطرق إلى مسألة الله في الفلسفة ليس خروجاً عن الفلسفة ومنها للدخول في اللاهوت، لأن فكرة الله ضرورة فينومينولوجية. فالله هو الذي يعطي ذاته حتى إخلاء الذات ليعطي الذات لذاتها. الله، إذا، هو الظاهرة بامتياز، إنه الحب المطلق الذي لا يمكن إدراكه بعقلنا ليس بسبب محدودية عقلنا بل لأن الله فيض مطلق.فلسفة العطاء
يختتم الكتاب بخلاصة مفادها «أن فينومينولوجيا جان-لوك ماريون تعلمنا أن نرى، تفتح أعيننا، أعين قلبنا، وتعلمنا أن نرى الظاهرة كما تعطي ذاتها، وأن ما يظهر يعطي ذاته. تعلمنا هذه الفينومينولوجيا أننا خلقنا وأعطينا لذاتنا بحب ومن أجل الحب، وأن مجد حياة لا يقاس إلا بالحب الذي نستقبله، بالحب المعطى».