بدا أن مصر والسعودية تمضيان قدما لتوسيع قاعدة تحالفهما الاستراتيجي في المنطقة، عبر تدعيم الربط بين اقتصادي أكبر دولتين عربيتين، وهو ما ظهر بجلاء في جولة الرئيس عبدالفتاح السيسي مع ضيفه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في منطقة المشروعات بإقليم قناة السويس، وسط حديث عن تنسيق بين مشروعات الإقليم المطل على أهم مجرى ملاحي في العالم ومشروع نيوم العملاق الذي أعلن عنه ولي العهد السعودي العام الماضي، واختار له منطقة شمال غرب المملكة حول خليج العقبة، بما في ذلك مناطق في مصر والأردن.وهيمن الملف الاقتصادي على فعاليات اليوم الثاني لزيارة ولي العهد السعودي إلى مصر، التي بدأت أمس الأول بمباحثات ثنائية مع الرئيس المصري، صرح بعدها المتحدث باسم الرئاسة المصرية، بسام راضي، بأن الجانبين اتفقا على مواصلة العمل معا من أجل التصدي للتدخلات الإقليمية ومحاولات بث الفرقة بين دول المنطقة، والتوحد كجبهة واحدة لمواجهة المخاطر والتحديات التي تتعرض لها المنطقة، وفي مقدمتها الإرهاب والدول الداعمة له، فيما أكد الرئيس السيسي أن أمن الخليج جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري.
وتصدر التعاون الاقتصادي تحركات الزعيمين أمس، إذ اصطحب الرئيس السيسي ضيفه السعودي إلى منطقة قناة السويس لاستعراض المشروعات التي تجرى هناك، وتنظر القاهرة إلى الرياض باعتبارها الداعم الأكبر للاقتصاد المصري الذي يمر بظروف صعبة، وهو ما عبّر عنه المتحدث الرئاسي صراحة بقوله إن زيارة ولي العهد السعودي تأتي في توقيت مهم للغاية، وأن الشق الأساسي فيها هو الجانب الاقتصادي، مؤكدا أن السعودية أكبر مستثمر عربي في مصر.وتفقد الرئيس السيسي وولي العهد السعودي مدينة الإسماعيلية الجديدة المقامة شرق القناة على أحدث النظم المعمارية والهندسية، بمساحة إجمالية 4927 فدانا، وتضم 58 ألف وحدة سكنية، وستكون المدينة الأولى في مصر التي يدمج فيها التيار الكهربائي مع الطاقة الشمسية، وأول مدينة مصرية تراعي متحدي الإعاقة في جميع منشآتها.
مشروع نيوم
وخلال زيارة السيسي وبن سلمان لمشاريع إقليم القناة، أكد رئيس هيئة قناة السويس رئيس الهيئة الاقتصادية العامة لمنطقة القناة، الفريق مهاب مميش، أن مشروع تنمية "محور القناة" سيحول مصر إلى مركز تجاري لوجيستي عالمي، مشددا على أن مشروع قناة السويس الجديدة الذي تم افتتاحه في أغسطس 2015، ساعد في تقليل زمن عبور السفن بالمجرى الملاحي.وبدا أن مميش يغازل المستثمرين السعوديين بحديثه المسهب عن إمكانات الاستثمار في قناة السويس، بقوله إن المنطقة الاقتصادية للقناة تتمتع بالعديد من المميزات التنافسية، من أهمها أن المشروع يقع في قلب العالم وعلى جانبي أهم ممر ملاحي عالمي، حيث يمر من خلاله سنويا نحو 10 في المئة من حركة التجارة العالمية و20 في المئة من حركة الحاويات العالمية، وحمولة تتجاوز المليار طن بضائع سنويا وعدد سفن يتجاوز 18 ألف سفينة، وأن المنطقة واعدة للمستثمرين.وقدم مميش التهنئة إلى ولي العهد السعودي على فكرة مشروع "نيوم" العملاق، معربا عن أمله في تكامل مشروعات قنال السويس مع هذا المشروع، لكونه مشروعا صاعدا واعدا للعالم كله، مشيرا إلى أن قناة السويس ومنطقتها الاقتصادية ستكونان القبلة للمشروع للتجارة العالمية في الفترة المقبلة.ووقع الجانبان المصري والسعودي على 4 اتفاقيات في مجال الاستثمار والبيئة أمس الأول الأحد، أبرزها اتفاقية إنشاء صندوق مصري سعودي للاستثمار، ويدشن الصندوق عمله بتطوير أراض مصرية جنوبي شبه جزيرة سيناء، ستكون ضمن مشروع نيوم السعودي العملاق، فيما قال مسؤول سعودي لـ "رويترز" إن مصر تعهدت بنحو ألف كيلومتر مربع من الأراضي في جنوب سيناء لتكون ضمن المشروع السعودي الذي أعلن عنه ولي العهد العام الماضي بتكلفة إجمالية 500 مليار دولار ويمتد إلى مصر والأردن.من جهته، رأى خبير العلاقات الدولية سعيد اللاوندي، أن إنشاء الصندوق المصري - السعودي للاستثمار يعد بمنزلة الخلاصة لمجمل زيارة ولي العهد السعودي إلى القاهرة، قائلا لـ "الجريدة": "الصندوق يدشن لمرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين، ويكشف عن ارتقاء العلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى مستويات أعلى وعلى أسس أقوى"، وأشار إلى أن الجانب الاقتصادي ذهب بالشطر الأول من زيارة بن سلمان، في حين اهتم الشطر الثاني منها بالعمل على التنسيق السياسي بين القاهرة والرياض في ملفات المنطقة الشائكة.وأضاف اللاوندي: "هناك اقتراب في الأفكار والرؤى بين بن سلمان والسيسي في الملفات الرئيسة، سواء في التوافق على مكافحة الإرهاب أو استعادة الاستقرار السياسي في المنطقة، لذا يأخذ شكل التحالف بينهما مزيدا من الحميمية والتقارب المتسارع، ومن هنا جاء تقدير ولي العهد السعودي للرئيس المصري باختيار القاهرة كأول محطة في جولته الخارجية الأولى منذ توليه ولاية العهد، كما أن زيارته لإقليم قناة السويس تعد شهادة امتنان بجهود العامل المصري من ناحية، والنية الواضحة لاتخاذ القناة منطلقا للتعاون الاقتصادي المشترك في المرحلة المقبلة".في الشأن المحلي، عرض وزير المالية عمرو الجارحي على رئيس مجلس الوزراء شريف إسماعيل، خلال اجتماعهما بمقر الأخير أمس، المؤشرات الأولية للموازنة العامة الجديدة للدولة المصرية 2018/ 2019، والمقرر عرضها على البرلمان قبل نهاية الشهر الجاري، وصرح الجارحي في مؤتمر صحافي بمقر مجلس الوزراء، بأن أهم أهداف الموازنة الجديدة هو خفض عجز الموازنة الأولي وتحقيق معدل نمو 5.5 في المئة، ويتوقع أن تشهد الموازنة الجديدة خفضا جديدا في الدعم المقدم لمجالات الطاقة وتذاكر المترو والقطارات.