كيف أخطأ الغرب في فهم الصين؟
تحوّلت الصين قبل أيام من دولة أوتوقراطية إلى دكتاتورية عندما كشف شي جين بينغ، الرجل الأوسع نفوذاً في العالم، أنه سيتحدى دستور الصين كي يتمكن من الحكم كرئيس قدر ما يحلو له أو مدى الحياة على الأرجح.تبنّت الصين بعض القواعد الغربية، ولكن يبدو أنها تصوغ نظاماً موازياً خاصاً بها، لنتأمل في مبادرة الحزام والطريق، التي تعِد باستثمار أكثر من تريليون دولار في أسواق الخارج، متفوقةً بأشواط على خطة مارشال، وهذه المبادرة تشكل في جزء منها خطة لتطوير غرب الصين المضطرب، إلا أنها تولّد شبكة نفوذ تمولها الصين وتشمل أي دولة ترغب في الانضمام إليها، وتدعو هذه المبادرة الدول إلى قبول حل الصراعات بالأساليب الصينية، وهكذا إذا تحوّلت أعراف الغرب اليوم إلى عقبة أمام طموح الصين، فقد تشكّل هذه الآلية البديل.تستخدم الصين قطاع الأعمال لتواجه خصومها، فتسعى مثلاً إلى معاقبة الشركات مباشرةً، كما حدث عندما أُرغمت شركة مرسيدس بنز أخيراً على إصدار اعتذار مذل بعدما اقتبست عن غير عمد كلمات للدالاي لاما على شبكة الإنترنت، كذلك تُعاقب الشركات بسبب سلوك حكوماتها.
خسر الغرب رهانه على الصين في وقت تعاني فيه ديمقراطياته بحد ذاتها أزمة ثقة، صحيح أن ترامب أدرك الخطر الصيني باكراً، إلا أنه يراه من خلال عجز التجارة المتبادلة الذي لا يشكّل بحد ذاته خطراً، فقد تقوّض حرب تجارية المعايير نفسها التي يُفترض بالرئيس الأميركي حمايتها، وتسيء إلى حلفاء الولايات المتحدة في وقت يحتاجون فيه إلى التوحّد في وجه التنمر الصيني. ومهما احتج ترامب يشكّل وعده بـ"جعل الولايات المتحدة عظيمة مجدداً" إشارة إلى العودة إلى الأحادية التي لا تحقق أي هدف غير تقوية يد الصين.بدلاً من ذلك على ترامب إعادة تحديد مدى سياسة الصين الأميركية، إذ يجب أن تتعلم الصين والولايات المتحدة التعايش مع اختلافاتهما، ومن غير المنطقي تحمّل تصرفات الصين السيئة اليوم على أمل أن ينجح التعامل معاً في جعل الصين أفضل غداً، فكلما تقبّل الغرب على مضض انتهاكات الصين، تفاقمت مخاطر التصدي لها لاحقاً؛ لذلك من الضروري في كل مجال أن تكون السياسة أكثر حزماً، حتى عندما يتمسك الغرب بقيم يدّعي أنها عالمية.بغية التصدي لقوة الإكراه الصينية، على المجتمعات الغربية أن تسعى إلى تسليط الضوء على الروابط بين المنظمات المستقلة، حتى المجموعات الطلابية، والدولة الصينية. وبغية مواجهة سوء استغلال الصين قوتها الاقتصادية، ينبغي للغرب التدقيق في استثمارات الشركات التابعة للدولة، وكل الشركات الصينية في المجالات التكنولوجية الحساسة. في المقابل يلزم أن يدعم الغرب المؤسسات التي تدافع عن النظام الذي يحاول الحفاظ عليه، فطوال أشهر عرقلت الولايات المتحدة تعيين المسؤولين في منظمة التجارة العالمية، ولكن على ترامب أن يبرهن عن التزامه تجاه حلفاء الولايات المتحدة بإعادة النظر في عضوية الشراكة عبر الأطلسي، كما ألمح، وعلاوة على ذلك، إذا أرادت الولايات المتحدة التصدي لقوة الإكراه الصينية، يجب أن تستثمر المال في أنظمة سلاح جديدة، ومن الضروري أن تضمن تقربها من حلفائها الذين سيتطلعون تلقائياً إلى الولايات المتحدة عندما يرون تصميم الصين.لا داعي أن تقود المنافسة بين القوى العظمى المهيمنة والناشئة إلى الحرب، لكن تعطش شي إلى السلطة عزز احتمال مواجهة عدم استقرار مدمر، فقد يحاول يوماً تعظيم نفسه باستيلائه على تايوان مثلاً، تذكروا أن الصين عمدت إلى الحد من ولاية قاداتها في المقام الأول كي لا تضطر مجدداً إلى مواجهة فوضى حكم الرجل الواحد في عهد ماو وجرائمه. يجب ألا يقود رهان الغرب الصيني إلى دولة دكتاتورية هشة، إلا أن هذا ما آل إليه.